يدور الحديث هذه الأيام فى أروقة مقر الجامعة العربية بميدان التحرير عمن سيخلف السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة، وبغض النظر عن الشخصية التى ستخلفه، إن كنا راضين عنها أو رافضين لها، فالأكيد أن وجوده على رأس المنصة يقود حوارات القمة، لن يغير من واقع العرب الممزق شيئاً، فماذا فعلت جامعة الدول العربية منذ نيف وستين عاماً، بالتحديد عام 1948 حين زرع الخنجر فى خاصرة الأمة العربية؟ كما قال ونستون تشرشل، وماذا فعلت الجامعة العربية حين احتلت إسرائيل الجولان السورية وسيناء المصرية فى عام 1967؟ وماذا فعلت الجامعة العربية حين وقعت مصر والأردن اتفاقيتى السلام مع إسرائيل منفردتين كل فى زمانها؟
وماذا فعلت الجامعة العربية حين اجتاحت قوات الإرهابى شارون لبنان عام 1982؟ وماذا فعلت الجامعة العربية حين اجتاحت قوات صدام حسين الكويت عام 1990؟ وماذا فعلت الجامعة العربية حين اجتاحت قوات التحالف العراق وأتمت القوات الأمريكية احتلاله عام 2003؟
كيف تصرفت القمم العربية إزاء ما حدث للمهجرين الفلسطينيين الذين أخرجوا من ديارهم، واحتلت أرضهم وشردوا فى شتى بقاع الأرض: أليسوا عرباً؟ أليست قضيتهم هى القضية المحورية، بل هى أم القضايا العربية والإسلامية!
لقد نسينا فى خضم الأحداث الدائرة فى وطننا العربى القضية المصيرية، قضية الصراع الأزلى بين الصهيونية والعالم الإسلامى، فكانت قضية هذا الصراع إسلامية، ثم أصبحت عربية تختص بمناقشتها وفود الدول العربية فقط، وسمى الصراع منذئذ الصراع العربى الإسرائيلى، وتولت الجامعة العربية فى مؤتمرات القمة المتوالية، والاجتماعات المتعددة على مستوى الوفود تحويلها إلى قضية فلسطينية، وحسبما تأتى الأوامر من السادة الحاكمين الفعليين للإقليم كله يكون تصرف القائمين على هذه الجامعة (التذكارية)! فقد مزقت الدول العربية كل ممزق، وأريد لكل منها على حدة أن تتصرف حكومتها كما يملى عليها لتقوم بدورها المرسوم لها لا تحيد عنه قيد أنملة، والعدو يعربد ويقتل ويشرد، ويستولى على الأرض وينتهك العرض، ويعلم أطفاله منذ الصغر عقيدة الأرض الموعودة ويرسخ فى أذهانهم عداوة العرب والمسلمين وكراهية كل ما هو فلسطينى، فى حين أن وزارت التعليم فى أغلب الدول العربية قد استجابت للأوامر الصادرة إليها، فأنست التلاميذ قضيتهم الرئيسية وحذفت آيات الجهاد من كتب الدراسة، لينعموا بعد حذفها ويتغنوا بترانيم السلام ومحبة الجار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
واندلعت سلسلة الثورات فى العالم العربى، بداية من تونس مرورا بمصر واليمن وسوريا ثوراتٍ على الحكام الموالين لإسرائيل حتى وإن أبدى بعضهم العداوة لها، فالأسد السورى قائد الصمود والتحدى أصبح أرنباً، يطالب بمفاوضات السلام المباشرة وغير المباشرة، ولم تطلق قواته وقوات أبيه رصاصة واحدة لتحرير الأرض المحتلة فى الجولان رغم احتلالها منذ أربعة وأربعين عاماً، والآن يطلق (شبيحة) جيشه الرصاص على صدور رؤوس الثوار السوريين المسالمين لأنهم طالبوا بخلعه! والشاويش اليمنى عمل قبل أن يترأس البلاد فى جهاز المخابرات المسخر لخدمة المصالح الإسرائيلية فى المنطقة وأيضاً يطلق جيشه الرصاص على صدور شعبه، ويقتلهم بالغازات السامة، وكذلك فعل الرئيس المصرى المخلوع عندما باع الأرض والغاز لأعداء الأمة بأبخس الأسعار.
إن الضمان الوحيد للنجاة مما نحن فيه من الفتن والنعرات الطائفية والأحوال المزرية، واسترداد كرامتنا التى سلبت منا قهراً وظلماً منذ ما يزيد عن ستين عاماً، هو أن نعمل على تغذية وعى الأجيال القادمة بثقافة هذا الصراع التاريخى، وحقائق المرحلة التى استولت فيها الصهيونية على فلسطين وأقامت بها دولة الظلم والعنصرية، وهى ما زالت تراهن على الزمن الذى تظن أنه يعمل لصالحها، ولكننا كعرب وكمسلمين، حقاً وفعلاً وقولاً يجب أن نوقن بأن الزمن يعمل لصالحنا، فلا يضيع حق وراءه مطالب، شريطة أن نعلم أولادنا القضية، فهى قضيتنا جميعا كمسلمين قبل أن تكون قضيتنا كعرب وهى الميراث المقدس الذى سترثه الأجيال القادمة لتحمله أمانة فى أعناقها، إلى أن يتحقق النصر على العدو بإذن الله.
والغرب تحالف دائماً مع الكيان الصهيونى، حتى وإن أظهر لنا الوجه المنافق الذى يزعم به أنه يناصر حرية الأديان والمعتقدات وحرية الرأى إلى آخر هذه الحريات المزعومة، فالغرب فى حقيقة الأمر يعتبر نفسه خصماً للشرق الإسلامى، لأنه يرى فى الإسلام البديل الوحيد له، حضارياً وإنسانياً، ولذلك حرص الغرب على زرع الكيان الصهيونى فى فلسطين، وتتابعت السنوات وتولت الجهود السياسية من قبل زعماء الغرب ترويض ساستنا العرب فى مصر والأردن والمغرب وسوريا وفى كل بقاع العام العربي، على الانصياع للأوامر الصادرة إليهم، فأطاعوا صاغرين بغية الاحتفاظ بمناصبهم وثرواتهم المكدسة فى بنوك أوروبا وأمريكا، وتحولت قضية فلسطين كما قلنا بمرور الوقت من قضية إسلامية إلى عربية ثم إلى فلسطينية، وهو تحول خطير فقد أصبح الدفاع عن فلسطين مهمة الفلسطينيين وحدهم، بعد أن استطاع دهاة اليهود وساستهم حصر دائرة الاهتمام بفلسطين على الفلسطينيين فقط، وتم بدهاء شديد تفريغ الأجيال العربية من الاهتمام بقضية المصير، واختفت معالم القضية عن وعى الأجيال العربية، ودخلت فى نفق مظلم بعزلتها عن العالم الإسلامى، ولا خروج من هذا المأزق إلا بالعودة بالقضية إلى الساحة الإسلامية، إن الأمل الحقيقى للعودة بها إلى الساحة هو فى الشعوب العربية التى أدركت بعد طول سبات تخاذل حكوماتها ووقوفها مع الكيان الصهيونى، فالشعوب أبدا لن تموت، ولا بد أن يخرج من رحم الأمة رجلا له مقومات صلاح الدين، كى يقود زحفا تدافع به تلك الشعوب عن حرماتها التى استحلت ومقدساتها التى تدنست، وكرامتها التى سلبت، كما فعلت كل الشعوب الحرة من قبل، وحينها فقط سيتحقق وعد الله ويكون هلاك عصابات الإفساد اليهودية الذى ذكره القرآن على يد هذه الشعوب الحرة التى تطالب بانتهاء دولة اليهود كما قال عز من قائل: (فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) 104 ـ الإسراء.
وبذلك نسترد الأمل فى تحقيق النصر النهائى على قوى البغى والعدوان الشيطانية الصهيونية الأمريكية، وليكن شعارنا فى المرحلة القادمة، كما قال الدكتور الراحل عبد الصبور شاهين: علموا أولادكم القضية، والله من وراء القصد.