الجمعة، 24 ديسمبر 2010

وهكذا العمر يمضى


ذنوبٌ على ذنوبٍ والعمر يمضى == ومضى عامٌ كبقية ِالأعـوام
وتمر الثوانى كريح ٍهائــــــج ٍ == ونعقد الآمال بحبل من الأوهام
ما أتعس الإنسان يبعثر عمره == بين الخطايا ودمعــــةٍ وآلام
ليت المؤمل أيقظ نفســـــــــه == من غفلةِ النوم وغطةِ الأحلام
طوبى لمن قام مجتــــــــهدا ً == أكثر الأفعال من غيرالكــلام
ويمضى القطار وتأتى محطة ٌ == هبوطا ًعليها مغرما ً ولـزام
نلهو ونلعب والآجال تطــلبنا == ما ضلت خطاها وماتاهت سهام
وتسير الحياة دون توقــــــفٍ == ما توانى الركب طيـلة َالأيـام
يتلاشى الزمان كثلج ٍ ذائــب ٍ == والدنيا تلهينا بأحزان جـثام
واحسرتاه والوقت يسرقـــنى == وما زلت مخدوعا ً بأنى غــلام
وتدق رزنامة الوقت أجراسا ً == صباحا ً مساءً مازلنا نـــيام
مكتوبة ٌ فى اللوح أعمــــارنا == قضيت أمورٌ وجفت الأقـلام
يا هائما ً خلف السراب وتائها ً == اكبح لنفسك شهوة ً وزمــام
تزداد أعمارنا والوقت ينقصها == فالوقت للأعمار مِعوَلٌ هـدام
والنفس فى اللذات تغوص مبحرة ً == كخيل ٍ جامح ٍمن غير اللجامٍ
مضى عامٌ ما أسرع طيــــفه == وهكذا العمر يمضى وبقية الأعوام


الخميس، 23 ديسمبر 2010

جاسوس ومايبانش عليه


أنا كمواطن واقعى أحرص دائما على تذكير نفسى بأن الإنسان مخلوق من طين لازب، لذلك يمكننى أن أتخيل أن يبيع إنسان وطنه ليصبح جاسوسا، نعم أدين فعله وأرفضه، لكننى أتخيل إمكانية حدوثه فى ظل الوطاية العمومية للعنصر البشرى، وفى ظل إيمانى بحتمية خسران الإنسان إذا لم يتواص بالحق والصبر، لا تنس أن هناك من يبيعون شعوبا وأوطانا بأكملها دون أن يكونوا فى حاجة ماسة إلى المال، وأن هناك من يحققون لإسرائيل أهدافا أهم بكثير من التى تحلم بها، دون أن تنشئ لهم إسرائيل شركات أو تمنحهم رواتب شهرية.


للأسف يمكن أن نتخيل أن يكون الإنسان جاسوسا، لكن ما لا يمكن تخيله ولا فهمه أبدا هو الإصرار الدائم لكل جيران المقبوض عليهم بتهمة التجسس أثناء اشتراكهم فى اللقاءات التى يجريها مراسلو المحطات التليفزيونية على أن جارهم المتهم «كان طيب وغلبان ومؤدب، فى حاله والله.. لا والله عمرنا ما شفنا منه أى حاجة وحشة.. بصراحة دى حاجة مش متوقعة أبدا.. إحنا مش مصدقين اللى حصل ده خالص».


يا ناس، يا بشر، يا خلق، الجاسوس بالذات المفروض ألا ترى منه أى حاجة وحشة، المفروض ألا ترى منه أى حاجة خالص، وطبعا لابد ألا تتوقع عدم كونه جاسوسا، وإلا فحرام فى جتته الفلوس التى يسفحها نظير تجسسه،


يعنى لا يوجد أى أمل فى أن نرى يوما أحد جيران المتهمين بالتجسس وهو يقف أمام كاميرا تليفزيون ليقول بمنتهى الثقة «بسم الله الرحمن الرحيم الإجابة أيوه كنت متوقع إنه جاسوس، عشان فعلا كنت بالاحظ إنه دايما بيخش العمارة وهو شايل علب حبر سرى، ده غير إنه كان راجل شرّانى ومن صغره بيعذب القطط فى الشارع، وأذكر إنه مرة فتح كيس زبالة بتاع أم عصام ونطور الزبالة على السلم.. لعلمك بقى أنا الوحيد اللى كنت متوقع إنه جاسوس وماكانش حد مصدقنى فى الحتة كلها».


الناس فى بلادى طيبون ويحبون المجاملة، ولذلك يتصورون أنهم عندما يقولون كلاما طيبا عن المتهم بالتجسس فإنهم يخففون عن أهله عناء الصدمة، ولذلك فهم حتى إذا لم يقولوا كلاما طيبا بحق المتهم، يقولون كلاما رائعا عن أهله ويتغزلون فى جمالهم وطيبتهم وجدعنتهم وعدم تأخرهم عن أحد، على أساس أن هذه كلها قرائن يمكن أن تخفف خطورة موقفه فى القضية، يا سادة متشكرين، لكن هل سمع أحد منكم عن اختراع اسمه «ما أعرفش»،


لا أحد يطلب منكم أن تقفوا أمام المحطات لترتجلوا خطبة عصماء تتبرأون فيها من الجاسوس اللعين الذى لطخ سمعة المنطقة، فالمتهم برىء حتى تثبت إدانته، وإن كان متهما بالتجسس، لكن فى المقابل لماذا هذا الحرص المذهل لدينا على أن نفتى فى أى شىء، حتى لو كنا لا نعرف عنه أى شىء؟


لا تسألنى لماذا يذيع مراسلو المحطات التليفزيونية من أرفعها إلى أوطاها مثل هذا الكلام الفارغ، فهم يتصورون أن هذه شطارة مهنية للتغلب على عدم وجود معلومات كثيرة فى قضايا حساسة كهذه غير التى تصرح الأجهزة الأمنية بتداولها، فضلا عن استضافتهم لأشخاص من ذوى النزعة البطيخية ليقولوا كلاما أبله عن دور الفقر والبطالة فى تشجيع الشباب على الجاسوسية والوقوع فى الإغراءات الإسرائيلية، مع أن مصر بها ملايين الفقراء الذين يفضلون الموت على خيانة بلادهم، ويقبلون استضافة فيروس سى فى أجسادهم بينما يرفضون استضافة السفير الإسرائيلى،


لاحظ أن هناك من أدينوا فى قضايا تجسس ولم يكونوا عاطلين عن العمل ولا فقراء، ومن بينهم المتهمون فى شبكة التجسس الهاتفى التى ينظرها القضاء حاليا، ومع ذلك لايزال هناك من يتصور أن تركيزه على منظر الشارع الفقير لمنزل المتهم بالتجسس وشكل النشع الموجود على حوائط عمارته هو سبق إعلامى يؤكد الارتباط الشرطى بين الفقر والجاسوسية.


لا يمكن أن ننكر أن الإغراء المادى يشكل حافزا على التجسس، لكن الإغراء المادى لن تكون له أى قيمة لو صادف إنسانا يحب وطنه، ويفهم لماذا يستحق هذا الوطن أن نحبه، حتى لو كان يحكمه أناس بشكل ردىء لا يشجع على هذا الحب، لو كان هذا الشاب يعرف تاريخ بلاده ويعرف عدوه حقا، ولو كان متأكدا أنه لن يُضرب على قفاه ولن تنتهك كرامته إذا عبر عن رأيه، لصب ذلك الشاب سخطه وغضبه فى عمل سياسى يجعله يستعيد حقوقه المسلوبة ويعيش فى وطنه موفور الكرامة ولو كان على قد حاله.


الإغراء المادى سينجح فقط عندما يصادف أجيالا نشأت فى ظل تعليم مضطرب الهوية وإعلام منزوع الكرامة وثقافة مائعة رخوة، وعندما يرى الشباب رموزا سياسية وإعلامية ومجتمعية تتسابق فى إعلان صداقتها وعلاقاتها بقيادات إسرائيلية، وتكسر الإجماع الوطنى على مقاومة التطبيع، وعندما يرى دولته تُصدر الغاز لإسرائيل برخص التراب، وعندما تختل المعايير فيصبح الشقيق عدوا والعدو حليفا من أجل السلام، عندما يحدث كل ذلك سيتكرر للأسف اليوم الذى تسقط فيه أجهزة الأمن القومى اليقظة شبكة تجسس جديدة، بطلها شاب يقسم الجيران بالأيمان المغلظة أنه كان ابن حلال وجدع وماكانش يبان عليه خالص إنه جاسوس.

الجمعة، 17 ديسمبر 2010

سيد قــــــــراره


يا ميت ألف مرحب بسيد قــــــــراره
رجع م الإجازة وطال انتظــــــــــاره
وحشنا غتته ورزالة سيادتــــــــــــــه
وتشريعه اللى هايبد أ عـــــــــــــواره


......
يا ميت ألف مرحب ومرحب كبيــــــر
بتسعة عتاولة بدرجة وزيـــــــــــــــــر
وباقى العتاولة خدوها مقاولــــــــــــــة
وباعوا الغلابة فى سوق الحميـــــــــــر
......
يا ميت ألف مرحب هنا المجلسيــــــــن
عليهم مهابة بتغزى العنيـــــــــــــــــــن
عتاولة مجالس بتعرف توالــــــــــــــس
وتعرف تبجح تقول حقى فيـــــــــــــن؟
......
يا ميت ألف مرحب ومليون يا حوستـى
على اللى جرالى و زود مصيبتـــــــــى
بسيد قراره اللى طال انتظـــــــــــــــاره
اللى قالوا مزوّر وبرضك هايفتــــــــــى
......
يا ميت ألف مرحب ومليون يا غلبـــــى
يا حسرة كبيرة وسكنت فى قلبـــــــــــــى
بمجلس مماطل وتشريعه باطـــــــــــــــل
وهايجيب لى حاكم يزوّد مصايبـــــــــــى
......


يا ميت ألف مرحب ببشله وسلومــــــــه
اللى تم اختيارهم لشغل الحكومـــــــــــة
وخنجر و مطوة اللى فى كل خطـــــــوة
ها يعمل مع الناس خناقة وخصومــــــــة
......
يا ميت ألف مرحب بسيد قـــــــــــــراره
منوّر مشرف بيوتنا بحمــــــــــــــــــاره
سكتنا كتير لما رفس وبعّـــــــــــــــــــر
وبكره وبعده هاتكوينا نـــــــــــــــــــــاره
......
......
يا ميت ألف مرحب ومليون شويـــــــــــة
بمجلس عليه حُكم سبعين قضيـــــــــــــــة
ومليون مخالفة لدماغه اللى ناشفــــــــــــة
وبكره هايفتى فى أم الوسيـــــــــــــــــــــة
......
يا ميت ألف مرحب بسيد أفنــــــــــــــــدى
اللى سيفه فى قلبى وحشايا معـــــــــــــدى
يزين المنصة ببسمة وقصــــــــــــــــــــــة
وتكشيرة فيها يبان التحــــــــــــــــــــــــدى
......
فقيه والفقيه عنده كل الحلــــــــــــــــــــــول
وفى كل فتوة بيقدر يقـــــــــــــــــــــــــــول
وافتى فى عيد الضحية يجـــــــــــــــــــــوز
تضحى الغلابة بفلافل وفــــــــــــــــــــــول
......


يا ميت ألف مرحب وتشكى لميـــــــــــــــــن
حكومة بتلوى دراع التخيــــــــــــــــــــــــــن
بتقتل بأيدها وتعرف تكفــــــــــــــــــــــــــــن
وتمشى ف جنازة ورا المقتوليـــــــــــــــــــن
......
يا ميت ألف مرحب ولسه كمــــــــــــــــــــان
ها تطلع علينا الكلاب والحيتــــــــــــــــــــــان
ويطلع علينا اللى عامل مفتــــــــــــــــــــــــح
وهو فى حقيقته حرامى وجبــــــــــــــــــــــان
......
......
يا ميت ألف مرحب بنور الكراســـــــــــــــــى
جزمهم ها تتحط فوق أم راســـــــــــــــــــــــى
حماية وحصانة وسرقة وعفانــــــــــــــــــــــة
وأطيب ما فيهم أبو قلب قاســــــــــــــــــــــــى
......


......


يا ميت ألف مرحب بأهل التكيــــــــــــــــــــه
اللى نهبوا الأراضى شواطئ وميـّـــــــــــــه
وباين عليهم ولسه فى إيديهـــــــــــــــــــــــــم
دليل قتل ليلى وجثة بهيـــــــــــــــــــــــــــــــة
......
يا ميت ألف مرحب بقول غصب عنـــــــــــى
عشان كل حاجة هايخدوها منـــــــــــــــــــــى
بعلم اللى شايف وفاهم وعــــــــــــــــــــــارف
وخلى حياتى بأفعاله بنــــــــــــــــــــــــــــــــى
......
يا ميت ألف مرحب بمجلس جميـــــــــــــــــــل
ملهشى فى بطلان وجوده مثيــــــــــــــــــــــــل
موافقة ومعارضة بنفس اللســــــــــــــــــــــــان
ونفس الضمير اللى قاتل قتيـــــــــــــــــــــــــــل
......
يا ميت ألف مرحب بوالى الجبايـــــــــــــــــــــة
اللى كفه معلم فى جيبى وقفايـــــــــــــــــــــــــــا
أخدنى ورمانى طعام للحيتــــــــــــــــــــــــــــان
وكرباجه ماشى يطرقع ورايــــــــــــــــــــــــــــا

الخميس، 9 ديسمبر 2010

سرى للغاية


لا يوجد أى أمل فى أن نشهد فى مصر موقعاً إلكترونياً يقوم بتسريب وثائق الفساد السرية الرسمية على غرار موقع «ويكيليكس»، فالتسريب الوحيد الذى نؤمن به فى ثقافتنا هو تسريب القطط.


- العالم كله وجد جديداً فى تسريبات «ويكيليكس» إلا الشعوب العربية، فهى بحمد الله لا تحتاج إلى موقع إنترنت يوقع بينها وبين حكامها بأن يكشف لها كم يكرهون بعضهم البعض، وكيف يقولون للأمريكان كلاما غير الذى يقولونه لشعوبهم، وكيف يفكرون فى مصالحهم الضيقة ويتمنون زوال بعضهم البعض وبقاء إسرائيل إلى الأبد، كل هذه الأمور يعرفها المواطن العربى قبل بلوغه الحُلُم ولا يحتاج إلى قراءته مترجما، الشىء الوحيد الذى يحتاج المواطن العربى لأن يعرفه ويا ليت جوليان أسانج، فك الله سجنه، يخدمنا فيه، هو أرقام حسابات بنوك سويسرا، ويا ريت الباس وورد لو أمكن.


- أحلى نكتة سمعتها هذا الأسبوع (خبر عاجل: قطر تقدم ملفها لاستضافة موسم الحج عام 2015).


- سألنى صديقى: ألا يشعر العاملون فى قناة الجزيرة القطرية بالخجل بعد أن قرأوا الوثيقة التى نشرها موقع «ويكيليكس» وقال فيها وزير الخارجية القطرى إنه عرض على الرئيس مبارك غلق قناة الجزيرة لمدة عام مقابل تفعيل الدور المصرى فى حل القضية الفلسطينية؟! قلت لصديقى: لا أدرى إذا كان العاملون فى قناة الجزيرة سيشعرون بالخجل من هذا الكلام، لكن أعتقد أنهم شعروا بالحزن لأنهم فقدوا فرصة الحصول على سنة إجازة براتب.


- من يرزقنا بضمير كالذى وهبه الله للحيوانات؟ فأسماك القرش فى البحر افترست ثلاثة سياح، وأسماك القرش على البر افترست ثمانين مليون مواطن.


- قلت لصديقى: أخالف الذين يعتقدون بعدم وجود قدرة على التمييز والإدراك لدى الأحياء المائية، بدليل أن أسماك القرش لم تهاجم سائحا إسرائيليا لأنها بتستنضف.


- منظمات حقوق الحيوان وجمعيات حماية المخلوقات البحرية احتجت على معاملة مصر مع أسماك القرش فى شواطئ شرم الشيخ، وتهدد بمطالبة السياح بمقاطعة مصر إذا لم تحسن معاملتها مع أسماك القرش، أقترح على الداخلية أن تبعث لهم صور المرحوم خالد سعيد لكى يعرفوا إلى أى حد نحترم الحيوانات.


- الحل الوحيد للتخلص من هجوم أسماك القرش هو عقد قمة عربية عاجلة فى شرم الشيخ، لأن القروش بالتأكيد ستطفش من إجراءات الأمن.


- لا أعتقد أن الكاتب الكبير أنيس منصور كان يقصد أى إسقاط سياسى عندما تحدث عن فشل أبناء العظماء فى السير على درب آبائهم، ضاربا أمثالا على ذلك بأبناء توفيق الحكيم وأحمد شوقى وموتسارت وعبدالوهاب وغيرهم، فنتائج المسرحية الانتخابية الأخيرة تنفى أى إسقاط يفكر فيه البعض بسوء نية.


- «سرى للغاية: إلى وزارة الخارجية فى مصر.. قمنا باستضافة سيادة المسؤول المهم لمدة ثلاثة أيام كاملة ورافق طاقم من السفارة السيدة حرمه والسادة أنجاله فى رحلات الشوبنج التى قاموا بها وقد تمكّنا من الحصول بفضل علاقاتنا الواسعة على خصومات كبيرة وقد انبسطت سيادتها والأنجال جداً، كما قمنا بعمل برنامج ترفيهى شامل للأسرة الكريمة فى أرجاء العاصمة وضواحيها، وقد تم الحجز للسيدة ابنة أخت المسؤول المهم فى أكبر مركز تجميل متخصص لإجراء عملية الشفط المطلوبة،


وقد تمت العملية بنجاح بإشراف كامل من السيد السفير والملحق الطبى، كما قام الملحق الإعلامى بتوفير جميع الديفيديهات المطلوبة وتم إرسالها فى الحقيبة الدبلوماسية، وتعتذر السفارة عن عدم تلبية طلب السيدة حرم المسؤول المهم التى هفت عليها الملوخية أثناء رحلتها الكريمة، فقد نفد مخزون السفارة من الملوخية بعد احتفالات ثورة يوليو الأخيرة، ونرجو تكرار الاعتذار لسيادتها على ما سببناه من ضرر نفسى بالغ. ملاحظة: نرجو زيادة حصة السفارة من الملوخية تحسبا لأى زيارات رسمية قادمة».


(كان هذا نصا لوثيقة دبلوماسية متخيلة قمت بتسريبها على موقع بلاويكى ليكس الذى أفكر فى إنشائه على شبكة الإنترنت تضامنا مع جوليان أسانج ورفاقه).

الاثنين، 6 ديسمبر 2010

برلمانا بلا معارضة


فجأة قرر حاكم مصر أنه يريد برلمانا بلا معارضة، فجأة قرر أنه لا يرغب فى سماع أصوات تزعجه، فجأة شعر أن اللعبة الديمقراطية لم تعد تبهجه، فجأة شعر أن المصريين لم يعودوا يستحقون الحرية التى كان يعتقد أنه الذى منحها لهم، ولذلك أصدر أوامره إلى رجاله فى الإدارة والأحزاب معا بأن ينفذوا رغبته بأى شكل، حتى لو كانت الطريقة مزرية وقميئة ولا أخلاقية.


لا أحد يعرف متى جاءه هذا القرار بالضبط؟، ولا من الذى أشار به عليه؟، ولا كيف شعر أن حلفاءه الغربيين لأسباب تخصهم لن يكونوا مهتمين بأى تزوير يحدث فى الانتخابات؟، لا أحد سأله هل درس هذا القرار جيدا؟، هل فكر فى أن انفراده بالسلطة سيكون حقا فى مصلحة البلاد؟، هل أدرك كم هو موحش وخطير ألا يسمع الحاكم إلا أصداء صوته؟، بالطبع لم يفكر أحد من رجاله فى الحصول منه على إجابة لأى من تلك الأسئلة، فهم جميعا يعلمون أنهم خلقوا فى دنياه لكى يطيعوه، كل ما كان يهمهم أن ينالوا رضاه حتى لو استحقوا سخط الله وسخط الناس، للأمانة هم لم يكونوا يخافون من سخط الله فهم يعتقدون أنه غفور رحيم يمكن أن يسامحهم لأنهم عاثوا فى البلاد فسادا فقط إذا تقربوا إليه بعدد من الحجات والعمرات والصدقات، وهم أيضا لم يكونوا يرون أن الخوف من سخط الناس أمر يستحق أن تلقى إليه بالاً، فالناس لن يعرفوا مصلحتهم مثل ما يعرفها الحاكم ورجاله.


يومها صدرت الأوامر بأن يسقط كل رموز المعارضة فى دوائرهم أيا كان الثمن، وكان رجال الإدارة يقولون للناس جهاراً نهاراً إنه ليس من المعقول أن نخالف الأوامر السامية بعد كل ما قدمه القصر للبلاد، وإنه يجب أن يعلم الجميع أن جلالة الملك الشاب لن يفتتح برلمانا فيه معارضون يكرههم أبوه جلالة الملك فؤاد.. لماذا أنت مستغرب؟، أنا أحدثك عن انتخابات عام 1938 التى جرت فى ظل عهد الملك الشاب القادم حديثا من الخارج بعد سنوات من التعليم قضاها فى لندن، هل ظننت أننى أتحدث عن أحد آخر أو عن انتخابات أخرى لا سمح الله؟.


هل كان ينبغى أن أخبرك بذلك من الأول، لأنك شأن الكثير من أبناء بلادنا حكاماً ومحكومين لا نحب قراءة التاريخ ونستثقل دمه ونظن أن التاريخ ليس سوى أرقام سنوات مرتبطة بأحداث وأسماء حكام نحفظها لكى نصبها على ورقة الامتحانات ونحن تلاميذ، ولا ندرك أن التاريخ يحمل إجابات لكل أسئلة الواقع ولكن لمن أراد لها حلا.


عموما أنت تعلم عماذا أتحدث الآن، لكن هل تعلم أن تلك الانتخابات شهدت واقعة برلمانية غير مسبوقة فى تاريخ المجالس النيابية فى العالم كله، يومها كان حزب الوفد حزبا عظيما وليس «هفقا»، وكان يرأسه زعيم عظيم ملو مركزه اسمه مصطفى النحاس كان المصريون يعتبرونه زعيمهم الحقيقى، ولذلك عندما أصدر الملك أوامره لرئيس وزرائه على ماهر بضرورة إسقاط النحاس شخصيا فى دائرته سمنود بالغربية لتمريغ أنف الوفد فى التراب، قرر الوفديون أن يتحدوا إرادة الملك بحيلة غير مسبوقة اقترحها شاب انضم إلى الوفد حديثا اسمه فؤاد سراج الدين، كانت الفكرة أن يتقدم النحاس فى آخر لحظة قبل قفل باب الترشيح بأوراقه كمرشح فى دائرة أخرى اسمها الزعفران يضمن سراج الدين بحكم ما له فيها من أطيان وأنصار ألا يتقدم فيها مرشح منافس للنحاس أبدا.


وبالفعل تقدم سراج الدين بأوراق ترشيح النحاس فى الساعة الخامسة إلا خمس دقائق من يوم قفل باب الترشيح وتأكد من قفل باب الخزينة دون أن يتقدم للنحاس منافس فى الدائرة، وعندما وصل الخبر إلى القصر صدر أمر من فريد أبوشادى، مدير الغربية المنتدب، بفتح الخزينة وإحضار أى شخص من البلد وتقديم أوراق ترشيح له ودفع أى تأمين فورا حتى لو كان هذا الرجل نكرة لا يعرفه أحد، وبالفعل لم يعدم رجال القصر شخصا يبيع نفسه من أجل المال، والشهرة أيضا، فهو سيكون منافسا للنحاس باشا بجلالة قدره، وكتب التاريخ تقول إن هذا الشخص اسمه محمد سعيد، لكنها لا تذكر عنه أى معلومات أخرى، ربما لأنه لم تكن لديه فعلا معلومات أخرى يمكن أن يذكرها أحد، وربما لذلك قال فؤاد سراج الدين للنحاس إن ما حدث أمر ليس له أى قيمة لأن كل مَن فى الدائرة هم إما مستأجرون لديه أو عمال فى مزارعه، وأنهم جميعا يحبون النحاس ولن تجدى أى ضغوط تمارس عليهم.


فى يوم الانتخابات شهدت مصر مهازل لم يسبق لها مثيل فى تاريخ برلماناتها، وصلت إلى حد أن يقوم شيخ بلد كفر الثعبانية أحد أكبر مراكز دائرة سمنود ومعه عدد من الخفراء (الذين كانوا يلعبون دور البلطجية يومها) باقتحام سيارة النحاس أثناء توجهه لتفقد الدائرة، وقاموا فى حضوره بضرب مندوبه فى الكفر بهراوة على رأسه، ثم اختطفوه فى حضور النحاس المذهول مما يجرى، وعندما ذهب النحاس إلى وكيل النيابة الذى يراقب الانتخابات وأبلغه بأن شيخ البلد نبيل غنيم قام بكذا وكذا، تم استدعاء شيخ البلد الذى أنكر ما حدث جملة وتفصيلا، بل وقام بإحضار فلاح طاعن فى السن يرتدى ملابس بالية وقال إنه والد مندوب النحاس، وعندما سألوه عن مكان ابنه قال لهم إنه مسافر إلى القاهرة منذ يومين، قالوا له لكن النحاس باشا يقول إن ابنك كان معه وتم شج رأسه وخطفه، فأنكر الأب ذلك تماما، ووجد النحاس نفسه يواجه تهمتى الكذب وإزعاج السلطات، لولا أن وكيل النيابة كان رجلا شريفا وأدرك ما حدث فأغلق المحضر.


كانت الأخبار تتوالى إلى قيادة الوفد من جميع أنحاء البلاد بسقوط قتلى وجرحى على أيدى رجال البوليس، واختطاف صناديق الانتخابات من داخل مراكز الاقتراع، والاعتداء من قِبَل الخفر والعساكر على رجال الوفد الذين حاولوا حماية الصناديق بشراسة وقرروا الاستمرار فى ذلك مهما كلفهم من تضحيات.


وعندما وصل إلى النحاس أن عددا من كبار رجال الوفد الذين كانوا ينجحون فى كل انتخابات بالتزكية مثل مكرم عبيد فى قنا وعبدالفتاح الطويل فى الإسكندرية وأمين الوكيل فى دمنهور وأمين الإتربى فى أخطاب تم الإعلان عن سقوطهم بنتائج مزرية، أصدر النحاس أوامره إلى كل رجال الوفد بأن ينصرفوا فورا ويتركوا صناديق الانتخابات لرجال البوليس والإدارة لكى يزوروا فيها كما يشاءون.


عاد النحاس إلى القاهرة وبدأت تتوالى تباعا نتائج سقوط مرشحى الوفد والمعارضة فى كل الدوائر، وبقيت دائرتا سمنود والزعفران اللتان ترشح فيهما النحاس فلم تعلن النتيجة فيهما، ويقولون إن على ماهر كان يحاول إقناع الملك بضرورة إعلان نجاح النحاس فى إحداهما غسلا لسمعة البرلمان القادم، لكن إرادة الملك تغلبت وصدر فى ساعة متأخرة من الليل بيان من الداخلية يعلن أن النحاس زعيم الأمة سقط فى دائرتى سمنود والزعفران، أى أن الشعب المصرى قرر من أجل مستقبله أن يختار محمد سعيد بدلا من مصطفى النحاس.


يومها لم يسقط النحاس وحده فقط، بل سقط كل رجال المعارضة الذين قدموا أداء نيابيا راقيا كانت مصر تفتخر به وقتها، وفى المقابل شهد ذلك المجلس أعلى نسبة من كبار ملاك الأراضى قياسا على الهيئات البرلمانية السابقة، بل ووصلت نسبتهم فى الوزارة، التى تشكلت عقب الانتخابات إلى 66 فى المائة من الوزراء كما يقول الدكتور عاصم الدسوقى فى دراسته عن دور كبار الملاك فى الحياة السياسية المصرية، وهى نفس الوزارة التى قام بتشكيلها محمد محمود باشا، رئيس حزب الأحرار الدستوريين، الذى كان يضم أكبر عدد من المثقفين المدافعين عن الليبرالية والديمقراطية والتقدم.


وبرغم رضا وزارته بأن تكون ألعوبة فى يد الملك لضرب إرادة الشعب فقد أصر الملك على إهانتها بأن رفض قائمة الوزراء التى تقدم بها محمد محمود عشر مرات ولم يقبل بها إلا فى المرة الحادية عشرة لكى يوصل رسالة قوية إلى البلاد كلها بأنه لن يسمح بأن يعلو صوت فوق صوته.


لا شك أن الملك كان سعيدا جدا للغاية فى تلك الأيام، لا شك أنه كان يضحك ملء شدقيه، لا شك أنه كان يشعر أنه قام بضرب قادة المعارضة على أقفيتهم، لا شك أن أجهزته الأمنية كانت ترفع له تقارير عن غيظهم وحنقهم وخيبة أملهم، لا شك أنه لم يفكر ولو للحظة فى خطورة ما فعله على مستقبل البلاد لأنه يرى أنه هو وحده مستقبل البلاد، لكن يا ترى هل تذكر الملك كل ذلك وهو يبحر فوق يخته الملكى مطرودا من عرشه وبلده بعد قيام ثورة يوليو التى بدورها استغلت ذلك النوع من الانتخابات ذريعة لإلغاء التمثيل النيابى كله على بعضه؟ يا ترى هل قال الملك لنفسه ما الذى كان سيجرى لو احترمت إرادة الأمة ولم أحول الديمقراطية إلى لعبة سخيفة ولم أسحق الفقراء والبسطاء لصالح الأغنياء والإقطاعيين؟


هل فكر الملك فى ذلك كله؟ لا أحد يعلم ذلك إلا الله، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.



الجمعة، 3 ديسمبر 2010

ضحكت حتي بكيت


ضحكت حتي بكيت حتي أن الكلام يعجز عن وصف ما رأيت
ضحكت حتي بكيت من الظلماء
اري انني غريبا في بلد اظنها بلدي الغراء
تعجبت حتي انني تشككت في نفسي واتاني الوباء
بلدنا باتت لاتحتمل اي فكرا ولكن تحوي اناس يقضون حياتهم هراء
ضاقت بنا وللاوغاد اتسعت حتي صارت هباء
استسلمت للص ثم باعت نفسها كما الجلاد شاء
لا شيئ يبدو في الافق غير السواد وصوره الاشلاء
لكنني واثق من نصر قريب كما وعد رب السماء
"بقلم اسامه امام"