السبت، 23 أبريل 2011

علموا أولادكم القضية


يدور الحديث هذه الأيام فى أروقة مقر الجامعة العربية بميدان التحرير عمن سيخلف السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة، وبغض النظر عن الشخصية التى ستخلفه، إن كنا راضين عنها أو رافضين لها، فالأكيد أن وجوده على رأس المنصة يقود حوارات القمة، لن يغير من واقع العرب الممزق شيئاً، فماذا فعلت جامعة الدول العربية منذ نيف وستين عاماً، بالتحديد عام 1948 حين زرع الخنجر فى خاصرة الأمة العربية؟ كما قال ونستون تشرشل، وماذا فعلت الجامعة العربية حين احتلت إسرائيل الجولان السورية وسيناء المصرية فى عام 1967؟ وماذا فعلت الجامعة العربية حين وقعت مصر والأردن اتفاقيتى السلام مع إسرائيل منفردتين كل فى زمانها؟

وماذا فعلت الجامعة العربية حين اجتاحت قوات الإرهابى شارون لبنان عام 1982؟ وماذا فعلت الجامعة العربية حين اجتاحت قوات صدام حسين الكويت عام 1990؟ وماذا فعلت الجامعة العربية حين اجتاحت قوات التحالف العراق وأتمت القوات الأمريكية احتلاله عام 2003؟


كيف تصرفت القمم العربية إزاء ما حدث للمهجرين الفلسطينيين الذين أخرجوا من ديارهم، واحتلت أرضهم وشردوا فى شتى بقاع الأرض: أليسوا عرباً؟ أليست قضيتهم هى القضية المحورية، بل هى أم القضايا العربية والإسلامية!


لقد نسينا فى خضم الأحداث الدائرة فى وطننا العربى القضية المصيرية، قضية الصراع الأزلى بين الصهيونية والعالم الإسلامى، فكانت قضية هذا الصراع إسلامية، ثم أصبحت عربية تختص بمناقشتها وفود الدول العربية فقط، وسمى الصراع منذئذ الصراع العربى الإسرائيلى، وتولت الجامعة العربية فى مؤتمرات القمة المتوالية، والاجتماعات المتعددة على مستوى الوفود تحويلها إلى قضية فلسطينية، وحسبما تأتى الأوامر من السادة الحاكمين الفعليين للإقليم كله يكون تصرف القائمين على هذه الجامعة (التذكارية)! فقد مزقت الدول العربية كل ممزق، وأريد لكل منها على حدة أن تتصرف حكومتها كما يملى عليها لتقوم بدورها المرسوم لها لا تحيد عنه قيد أنملة، والعدو يعربد ويقتل ويشرد، ويستولى على الأرض وينتهك العرض، ويعلم أطفاله منذ الصغر عقيدة الأرض الموعودة ويرسخ فى أذهانهم عداوة العرب والمسلمين وكراهية كل ما هو فلسطينى، فى حين أن وزارت التعليم فى أغلب الدول العربية قد استجابت للأوامر الصادرة إليها، فأنست التلاميذ قضيتهم الرئيسية وحذفت آيات الجهاد من كتب الدراسة، لينعموا بعد حذفها ويتغنوا بترانيم السلام ومحبة الجار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


واندلعت سلسلة الثورات فى العالم العربى، بداية من تونس مرورا بمصر واليمن وسوريا ثوراتٍ على الحكام الموالين لإسرائيل حتى وإن أبدى بعضهم العداوة لها، فالأسد السورى قائد الصمود والتحدى أصبح أرنباً، يطالب بمفاوضات السلام المباشرة وغير المباشرة، ولم تطلق قواته وقوات أبيه رصاصة واحدة لتحرير الأرض المحتلة فى الجولان رغم احتلالها منذ أربعة وأربعين عاماً، والآن يطلق (شبيحة) جيشه الرصاص على صدور رؤوس الثوار السوريين المسالمين لأنهم طالبوا بخلعه! والشاويش اليمنى عمل قبل أن يترأس البلاد فى جهاز المخابرات المسخر لخدمة المصالح الإسرائيلية فى المنطقة وأيضاً يطلق جيشه الرصاص على صدور شعبه، ويقتلهم بالغازات السامة، وكذلك فعل الرئيس المصرى المخلوع عندما باع الأرض والغاز لأعداء الأمة بأبخس الأسعار.


إن الضمان الوحيد للنجاة مما نحن فيه من الفتن والنعرات الطائفية والأحوال المزرية، واسترداد كرامتنا التى سلبت منا قهراً وظلماً منذ ما يزيد عن ستين عاماً، هو أن نعمل على تغذية وعى الأجيال القادمة بثقافة هذا الصراع التاريخى، وحقائق المرحلة التى استولت فيها الصهيونية على فلسطين وأقامت بها دولة الظلم والعنصرية، وهى ما زالت تراهن على الزمن الذى تظن أنه يعمل لصالحها، ولكننا كعرب وكمسلمين، حقاً وفعلاً وقولاً يجب أن نوقن بأن الزمن يعمل لصالحنا، فلا يضيع حق وراءه مطالب، شريطة أن نعلم أولادنا القضية، فهى قضيتنا جميعا كمسلمين قبل أن تكون قضيتنا كعرب وهى الميراث المقدس الذى سترثه الأجيال القادمة لتحمله أمانة فى أعناقها، إلى أن يتحقق النصر على العدو بإذن الله.


والغرب تحالف دائماً مع الكيان الصهيونى، حتى وإن أظهر لنا الوجه المنافق الذى يزعم به أنه يناصر حرية الأديان والمعتقدات وحرية الرأى إلى آخر هذه الحريات المزعومة، فالغرب فى حقيقة الأمر يعتبر نفسه خصماً للشرق الإسلامى، لأنه يرى فى الإسلام البديل الوحيد له، حضارياً وإنسانياً، ولذلك حرص الغرب على زرع الكيان الصهيونى فى فلسطين، وتتابعت السنوات وتولت الجهود السياسية من قبل زعماء الغرب ترويض ساستنا العرب فى مصر والأردن والمغرب وسوريا وفى كل بقاع العام العربي، على الانصياع للأوامر الصادرة إليهم، فأطاعوا صاغرين بغية الاحتفاظ بمناصبهم وثرواتهم المكدسة فى بنوك أوروبا وأمريكا، وتحولت قضية فلسطين كما قلنا بمرور الوقت من قضية إسلامية إلى عربية ثم إلى فلسطينية، وهو تحول خطير فقد أصبح الدفاع عن فلسطين مهمة الفلسطينيين وحدهم، بعد أن استطاع دهاة اليهود وساستهم حصر دائرة الاهتمام بفلسطين على الفلسطينيين فقط، وتم بدهاء شديد تفريغ الأجيال العربية من الاهتمام بقضية المصير، واختفت معالم القضية عن وعى الأجيال العربية، ودخلت فى نفق مظلم بعزلتها عن العالم الإسلامى، ولا خروج من هذا المأزق إلا بالعودة بالقضية إلى الساحة الإسلامية، إن الأمل الحقيقى للعودة بها إلى الساحة هو فى الشعوب العربية التى أدركت بعد طول سبات تخاذل حكوماتها ووقوفها مع الكيان الصهيونى، فالشعوب أبدا لن تموت، ولا بد أن يخرج من رحم الأمة رجلا له مقومات صلاح الدين، كى يقود زحفا تدافع به تلك الشعوب عن حرماتها التى استحلت ومقدساتها التى تدنست، وكرامتها التى سلبت، كما فعلت كل الشعوب الحرة من قبل، وحينها فقط سيتحقق وعد الله ويكون هلاك عصابات الإفساد اليهودية الذى ذكره القرآن على يد هذه الشعوب الحرة التى تطالب بانتهاء دولة اليهود كما قال عز من قائل: (فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) 104 ـ الإسراء.


وبذلك نسترد الأمل فى تحقيق النصر النهائى على قوى البغى والعدوان الشيطانية الصهيونية الأمريكية، وليكن شعارنا فى المرحلة القادمة، كما قال الدكتور الراحل عبد الصبور شاهين: علموا أولادكم القضية، والله من وراء القصد.

أنا هارشح نفسى للرئاسة

لا تستغربوا من العنوان الذى قد يبدو صادمًا لكثيرٍ منكم، فمن حقى وحقك أخى الشاب ألا نقف فى صفوف المشاهدين أو المتابعين، نشاهد الحملات الانتخابية والكلمات الرنّانة والوعود الذهبية من كل مرشح، ومع كامل احترامى لجميع المرشحين الذين أعلنوا نيتهم للترشيح للرئاسة، لم أجد فيهم من يمثلنى أو يشعر بما فى داخلى كشاب مثل كل الشباب، ضاعت أحلامه وحياته على أعتاب قصر مبارك وحاشيته.

جميع المرشحين للرئاسة تجاوز عمرهم السبعين باستثناء المستشار هشام البسطويسى، وبالتالى لن يشعروا بمشاكلنا كما نعيشها، ومقترحاتهم لحل هذه القضايا ونتيجة ما سمعت من بعضهم هى حلول تقليدية وغير فعّالة، وتحقيقها مرتبط بوجود شخص معين كرئيس، ولا يرتبط بسياسة دولة.


لأن مصر من المفروض أن يكون لها أسلوب واضح فى الإدارة تتبعه كل مؤسسات الدولة، وأن تصبح سياساتها واضحة لا تتغير بتغير الأشخاص والمناصب، وأن يصبح لنا منهج نسير عليه، وأن نتعلم كيف نخطط للمستقبل البعيد، وأن نبنى لأولادنا قبل أن نبنى لأنفسنا، فإصلاح التعليم لن أجُنى أنا ومن فى سنى ثماره، بل ثمارهُ سيجنيها الجيل القادم، وكذلك إصلاح الزراعة والصناعة والتوسع العمرانى أو ما اقترحه الدكتور فاروق الباز تحت مسمى (محور التنمية) وغيرها من المشاريع الحقيقية العملاقة.


لم أجد من المرشحين من يتحدث عن الصحراء الغربية المليئة بالثروات البترولية وأراضٍ كثيرة تصلح للزراعة، لم أجد منهم من يضع خطة لتطهيرها من الألغام، أو مقاضاة الدول التى وضعت هذه الألغام بها، لم أجد أحداً منهم يتحدث عن الصعيد وعن مشاكله، وكيف سيشجع المستثمرين الذين يعلنون نيتهم فى الاستثمار فى هذا الجزء المهمل من مصر لعقود طويلة.


لم أجد منهم من يتحدث عن محافظتى الوادى الجديد ومرسى مطروح، هاتان المحافظتان ذات الكثافة السكّانية المنخفضة، لم أجد أحداً منهم يتحدث عن طرق جذب المواطنين للعيش فى هذه المدن، ولم أجد أحداً يتكلم عن سيناء ووضعها الحالى، ويعترف بأن سيادة مصر على سيناء منقوصة وغير كاملة وتجب إعادة النظر فى بعض بنود كامب ديفيد، أو يشرح وجهة نظره فى كيفية مساندة القضية الفلسطينية بصفتنا مساندين ومؤيدين لها، وليس بصفتنا وسيطا يقرب وجهات النظر بينها وبين المحتل.


الحلول التقليدية والإجابات الدبلوماسية لم تعد تجدى، نريد ثورة فى الأفكار، وشجاعة فى الإقدام، ولا نشغل أنفسنا (بالدولة العلمانية أو الدينية)، لأنها شعارات لكسب التأييد، وستار يخفى وراءه الكثير والكثير لأصحاب المصالح والأهواء.

الاثنين، 11 أبريل 2011

فن إهدار الثورة!


كانت ثورة عظيمة، لكنها لم تؤت كل ثمارها بسبب اختلال الأولويات وغياب الرؤية، بعدها مباشرة كان يمكن أن نسير فى طريق بناء الدولة الوطنية المستقلة التى تمتلك مشروعاً تنموياً علمياً يجعلها فى مصاف الدول المتقدمة، لكنها بدلاً من أن تفرز مشروعاً وطنياً واحداً تتعدد الاجتهادات فى سبيل تحقيقه، أنتجت مشاريع متناقضة كلها يظن أنه يحتكر الوطنية، وبدلاً من أن تستمر روح القيادة الجماعية التى أدت إلى نجاحها وجعلها نموذجاً مشرقاً فى تاريخ الثورات، غلبت عليها للأسف روح الصراعات، واستبد كل قائد من قادتها برأيه فدفعت مصر ثمناً باهظاً بسبب ذلك، وفى خلال شهور اختفت روح الوحدة الوطنية التى كانت سمة غالبة على المصريين لتعلو نبرة الانشقاق فى الشارع وتتطور إلى مصادمات عنيفة أدمت القلوب.
لا أتحدث عن ثورة الخامس والعشرين من يناير، حماها الله من كل سوء، بل أتحدث عن ثورة 1919 بالمناسبة، وإذا اندهشت من أننى أقول ذلك عنها، فأرجوك أن تقرأ كتاباً مهماً اسمه «فصل مجهول من تاريخ ثورة 1919» للمؤرخ الكبير الدكتور حمادة محمود إسماعيل، صدر عام 1994 عن سلسلة (مصر النهضة) التى تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، لترى كيف تحول اثنان من زعماء ثورة 19 وهما سعد زغلول وعدلى يكن من صديقين حميمين إلى عدوين لدودين بسبب اللجج فى الخصومة واعتقاد كل منهما أنه يخدم الوطن أكثر من غيره، وعدم قدرة الاثنين ومن حولهما على الاتفاق على خارطة طريق وطنية يجتمع حولها المصريون،
وفى حين كان الخلاف يستعر بين الاثنين وفريقيهما كان كل فريق حريصاً على الحديث عن أهمية الاتحاد وخطورة الفرقة، لكن الموقف أخذ يتدهور يوماً بعد يوم خاصة بعد أن بدأ تبادل الاتهامات فى الخطب والتصريحات، وفى حين ينحاز بعض المؤرخين إلى سعد والبعض الآخر إلى عدلى، فإننا نجد رجلاً معاصراً للفترة مثل أحمد شفيق باشا يكتب فى (حوليات مصر السياسية) محملاً المسؤولية للرجلين معا وقائلا «.. لكن اللذين وضعا أول حجر فى اتحاد الأمة وأقاما عليه الأساس حتى كاد يكمل البناء مضيا فى هدمه وقضه حجرا على حجر، واستمرا فى خلافهما وهما يشعران بانحلال رابطة الأمة من حولهما ولا يرجعان عن خلافهما»، بالطبع كما يلاحظ الدكتور إسماعيل «لم يقف الإنجليز مكتوفى الأيدى بل ساعدوا على إشعال هذا الخلاف بكل ما استطاعوا، حتى وصلت البلاد إلى طريق مسدود وجلست البلاد على برميل من البارود كان يكفيه عود ثقاب لينفجر».
فى 29 أبريل 1921 انفجر مرجل الغضب فى طنطا عاصمة مديرية الغربية مسقط رأس سعد زغلول، كانت حكومة عدلى محرجة ولم ترغب فى إصدار قرار بمنع التظاهر لكى لا تظهر بمظهر من يحجر على حرية التعبير، كان ذلك اليوم يوافق يوم جمعة، وكانت قد خرجت بعد صلاة الجمعة من المسجد الأحمدى مظاهرة صغيرة لبعض طلاب المدارس الثانوية، وحصل احتكاك مع بعض رجال البوليس بقيادة مأمور قسم طنطا الذى أصدر أمراً بتشتيت المتظاهرين برشهم بالماء، فرشقوا القسم بالحجارة ثم أحرقوا سيارة بوليس كانت متواجدة أمام القسم فأصدر حكمدار المديرية أمراً بإطلاق النار فى الهواء للإرهاب، لكن جندياً مرتبكاً أطلق النار على المتظاهرين فقتل اثنين فى الحال، وأصيب أربعون، مات اثنان منهم فيما بعد، واتجه بعض المتظاهرين إلى منزل الحكمدار لإحراقه لولا أن تدخلت قوة من الجيش المصرى كانت قد استدعيت من القاهرة على عجل لدعم قوة البوليس.
بعدها وللأسف دخلت البلاد فى دوامة عنف مجنون امتدت إلى القاهرة بدءا من يوم 16 مايو ليسقط عدد كبير من القتلى والجرحى فى أول مصادمات بين المصريين وبعضهم البعض منذ ثورة 19. وكما يلاحظ الدكتور إسماعيل فقد «ساعد على توتر الأمور أن القاهرة كانت تشهد مظاهرات لعمال العنابر وشركة الترام الذين كانت لهم مطالب مهنية منذ فترة لم تتحقق، وعند عدم تحقيقها لجأوا إلى سلاح المظاهرات والعنف فأضافوا بعداً جديداً لهذه المظاهرات»، كان الموقف قد اشتعل عندما قبض حكمدار القاهرة على شاب اسمه أحمد مختار كان يتزعم مجموعة صغيرة من المتظاهرين فى شارع بولاق، وبعد هذه الحادثة صدرت أوامر حكومية بمنع المظاهرات، واستشعر مجموعة من المحامين وأعضاء الهيئات النيابية خطورة الوضع فى البلاد فوجهوا نداءً إلى الشعب بالتكاتف، لكن نداءهم لم يجد صدى، وفى يوم 18 مايو خرجت مظاهرة من منطقة الخازندار كان بها طلبة يحملون النبابيت والعصى واعتدوا على جنود قسم الأزبكية.
وفى نفس الوقت قام شخص مجهول بعمل فرقعة نارية داخل قطار فى شبرا وأطلق طلقات نارية وعندما حاول بعض الجنود القبض عليه تعرض جندى للطعن بمدية فى رقبته، واشتعلت مواجهات فى أحياء كثيرة فى القاهرة أصيب فيها ثلاثة ضباط وتسعة جنود وستة من عمال الترام، لتتجدد المظاهرات فى اليوم التالى وينتج عنها هذه المرة قتيل هو موظف تم طعنه بسونكى، ويصاب عدد كبير من المدنيين والضباط والجنود، لتشتعل حرب شرسة ضد ضباط الشرطة وجنودها فى يوم الجمعة 20 مايو، وتعلن حكمدارية العاصمة أنها «تبذل كل جهدها للبحث عن بعض الضباط والصف والجنود الذين اختفوا عقب مظاهرات الجمعة وأن الحكمدارية تخشى أن يكونوا قد قتلوا،
ويبدو أن هؤلاء بسبب شدة المظاهرات اضطروا إلى الاختفاء فى بعض الأماكن وهو ما أثار خوف وقلق الحكمدارية». بعدها بيومين وفى الإسكندرية انفجر مرجل آخر للغضب انتهى بمأساة راح ضحيتها العديد من المصريين والأجانب، برغم أن عدداً من الشخصيات الوطنية من أبناء الإسكندرية حاولت بكل جهدها السيطرة على الأمور لكى لا يقتل المصريون بعضهم بعضا، كان على رأس هؤلاء الأمير عمر طوسون أحد الشخصيات الوطنية التى كانت تحظى بتوافق كبير، والذى أصدر نداء إلى أبناء الإسكندرية جاء فى نصه «بلغنى مع أشد الأسف ما حدث من بعض الأشخاص غير المسؤولين أثناء المظاهرات السلمية مثل مهاجمة بيوت بعض المخالفين لكم فى الرأى والتقاذف بالأحجار فى الشوارع، الأمر الذى ما كنا ننتظر صدوره من أى مصرى،
ونحن قوم نريد الاستقلال ونطالب بالحرية، وأساس هذا المبدأ احترام كل فريق رأى الآخر وعدم الحظر على أحد وإن شذ فى رأيه وإذا لم نحترم هذا المبدأ فلماذا نشكو من ضغط الإنجليز على حريتنا ومصادرتهم لنا فى آرائنا. وكيف بعد ذلك تريد طائفة منا إرغام مخالفيها على اتباع رأيها بالقوة، فأرجوكم أشد الرجاء الإقلاع عن هذه الخطة التى تضر قضيتنا المقدسة أكبر ضرر وتشين سمعتنا وتحط بكرامتنا، وأناشد كل مخلص لوطنه محب لبلاده أن يجتهد فى منع ما يلصق التهم الباطلة بنا، وإننى لا أقول هذا انحيازاً إلى جانب الوزارة لأننى غير موافق على خطتها، ولكن الواجب هو الذى دفعنى أن أبين لكم الخطر الذى ينجم عن سلوك طائفة منا فى غير المسلك القويم، هدانا الله جميعاً إلى الصواب».
أتركك الآن لكى تتأمل كل ما سبق، وألتقيك فى الغد لنعرف هل استمع أحد إلى نداء الأمير عمر طوسون أم لا؟.