السبت، 25 أغسطس 2012

المسلمين في أراكان

انتشرت الأخبار عن جرائم قتل البوذيين للمسلمين في بورما، وانتشرت الصور المفجعة من حرق لمنازلهم إلى قتل أطفالهم ونسائهم وترويعهم؛ ليغادروا مساكنهم أو أن الموت مصيرهم!
وقد دخل الإسلام بورما عن طريق "أراكان" في القرن الأول الهجري عن طريق الصحابي الجليل وقّاص بن مالك رضي الله عنه، وهناك مؤرخون يقولون بأنّ الإسلام وصل إليها عبر "أراكان" في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد عن طريق التُّجار العرب، حيث أُعجب أهل بورما بأخلاقهم، فدانوا بدينهم.
نلاحظ هنا أنهم أعجبوا بأخلاق التجار فدانوا بدينهم، واليوم هم يُقتلون ويُرمى بهم في البحر، وتُحرق مساكنهم، ولا يجدون أيّ تاجر يمد يديه إليه أو حتى منظمات حقوق الإنسان التي تضج لقضايا صغيرة، وتتعامى عن هذا القتل والتهجير لهؤلاء المسلمين الأبرياء، الذين لا جريمة ارتكبوها إلا أنهم جزيرة مسلمين في بحر حقد للبوذيين!!
بورما حكمها 48 ملكًا مسلمًا على التوالي ما بين عامي 1430-1784م، وكان لهم عملات نقدية تتضمن شعارات إسلامية مثل كلمة التوحيد. وللأسف تم احتلالها من قِبَل الملك البوذي (بوداباي) عام 1784م، الذي قام بضم الإقليم إلى بورما؛ خوفًا من انتشار الإسلام في المنطقة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين على ذلك طوال فترة احتلالهم.
وحتى بعد احتلالها من قِبل بريطانيا استمر الحال، بل أسهمت بريطانيا بزيادة العداوة ضدهم فأمدت البوذيين بالسلاح لقتل المسلمين -كعادة الدول المستعمرة وإلى الآن- حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحةً عام 1942م، فتكوا خلالها بحوالي مائة ألف مسلم في أراكان!!
وبعد استقلالها استمر التنكيل بالمسلمين هناك من قِبل الحكومة البوذية، حيث يطوف الجنود البورماويون وهيئات التنفيذ القضائي وسفاحو (الماغ) البوذيين بأنحاء القرى المسلمة، يقومون بإذلال كبار السن وضرب الشباب المسلم ودخول المنازل وسلب الممتلكات، ومنعهم من استضافة أيّ أحد في بيوتهم، ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق! أما المبيت فيُمنع ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقَبُ عليها بهدم منزله، أو اعتقاله، أو طرده من البلاد هو وأسرته! وهذا المنع فيه قسر معنوي واجتماعي؛ كي لا يتم التواصل بينهم وبين أقربائهم.
ويُحرم أبناء المسلمين من مواصلة التعلُّم في الكليات والجامعات، ومن يذهب للخارج يُطوى قيده من سجلات القرية، أما إذا عاد فيُعتقل عند عودته، ويُرمى به في غياهب السجون، كأنه مجرم أو إرهابي بلغة اليوم التي أصمت آذاننا!!
ويتم استخدام الطرد أو التهجير الجماعي المتكرر خارج الوطن مثلما حصل في الأعوام التالية: عام 1962م عقب الانقلاب العسكري حيث طرد أكثر من 300.000 مسلم إلى بنجلاديش. وفي عام 1978م طرد أكثر من (500.000) أي نصف مليون مسلم، في أوضاع قاسية جدًّا، مات منهم قرابة 40.000 من الشيوخ والنساء والأطفال، حسب إحصائية وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وفي عام 1988م تم طرد أكثر من 150.000 مسلم؛ بسبب بناء القرى النموذجية للبوذيين في محاولة للتغيير الديموجرافي.
وفي العام 1991م تم طرد قرابة (500.000) أي نصف مليون مسلم، وتم إحراق محاصيل المسلمين الزراعية وقتل مواشيهم! ولا يسمح لهم بالعمل ضمن القطاع الصناعي في (أراكان)، ولا تسمح الحكومة بطباعة الكتب الدينية وإصدار المطبوعات الإسلامية إلا بعد إجازتها من الجهات الحكومية، وهذا أمر صعب جدًّا، ولا يسمح للمسلمين بإطلاق لِحاهُم أو لبس الزيّ الإسلامي في أماكن عملهم!
كما تصادر الحكومة البورمية ممتلكات الأوقاف والمقابر المخصصة لدفن المسلمين وتُوزِّعها على غيرهم، أو وتحوِّلها إلى مراحيض عامة أو حظائر للخنازير والمواشي!!
أما كبار رجال الدين فيتعرضون للامتهان والضرب، ويتم إرغامهم على العمل في معسكرات الاعتقال! ويُمنع استخدام مكبرات الصوت لإطلاق أذان الصلاة، ولقد مُنع الأذان للصلاة بعد رمضان 1403هـ/1982م. كما تُصادر الحكومة البورمية أراضي المسلمين، وتفرض الضرائب الباهظة على كل شيء والغرامات المالية ومنع بيع المحاصيل إلا للعسكر أو من يُمثِّلُهم بسعر زهيد؛ بهدف إبقاء المسلمين فقراء أو لإجبارهم على ترك الديار.
ومن مآسي المسلمين في بورما أيضًا أن الحكومة البورمية تتدخل بطريقة غير مشروعة في إدارة المساجد والمدارس؛ بهدف فرض إرادتها عليها، وتعمل على هدم المساجد وتحويلها إلى مراقص وخمّارات ودُور سَكَنٍ أو تحويلها إلى مستودعات وثكنات عسكرية ومتنزّهات عامة، ومصادرة الأراضي والعقارات الخاصة بالأوقاف الإسلامية وتوزيعها على الماغ البوذيين!! وفي هذا الصدد يقول نائب رئيس اتحاد الطلاب المسلمين في إقليم أراكان إبراهي محمد عتيق الرحمن في حديث لـ(وكالة الأنباء الإسلامية – إينا): إنّ حكومة ميانمار قامت خلال عام 2001م بتدمير نحو 72 مسجدًا، وذلك بموجب قانون أصدرته منعتْ بموجبه بناء المساجد الجديدة أو ترميم وإصلاح المساجد القديمة، كما أن هذا القانون ينصّ على هدم أي مسجد بُنِيَ خلال العشر سنوات الأخيرة!
وإمعانًا في منعهم من ممارسة شعائر دينهم الإسلامي، يُمنع المسلمون من أداء فريضة الحج باستثناء قلة من الأفراد الذين تعرفهم الحكومة، وترضى عن سلوكهم. وكذلك يتم منع ذبح الأضاحي.
في الوقت نفسه نجد أن هناك حملات مكثفة للتنصير، خصوصًا بعد الإعصار الأخير الذي أصاب المنطقة، والمحاولات مستميتة لطمس الثقافة الإسلامية، وتذويب المسلمين في المجتمع البوذي البورمي قسرًا، فلقد فرضوا الثقافة البوذية والزواج من البوذيات وعدم لبس الحجاب.
أما وضع المرأة المسلمة هناك فهو وضع مأساوي للغاية، حيث يتم إعطاء حُقَن مانعة للحمل للنساء المسلمات في حالات متعددة، ورفع سن الزواج للفتيات لـ25 عامًا والرجال 30 عامًا، وكأني بلجنة المرأة في الأمم المتحدة المتكلفة بهذه المسئولية المانعة لزيادة عدد المسلمين بادعاءات متعددة قد أسهمت في هذه الجرائم! إضافةً إلى منع عقود النكاح إلا بعد إجراءات طويلة وإذن من السلطات، ومنع التعدد منعًا باتًّا مهما كان السبب، ومنع الزواج مرة أخرى للمطلق أو الأرمل إلا بعد مرور سنة، ومن يخالف ذلك يُعرّض نفسه للسجن والغرامات الباهظة أو الطرد من البلد.
والهدف من كل ذلك هو القضاء عليهم، أو تقليل أعدادهم.
وإذا حَمَلَت الزوجة فلا بدَّ من ذهابها طِبْقًا لقرار السلطات الحاكمة، إلى إدارة قوّات الأمن الحدودية "ناساكا" لأخذ صورتها الملوّنة كاشفة بطنها بعد مرور كل شهر حتى تضع حملها، وفي كلّ مرّة لا بد من دفع الرسوم بمبلغ كبير؛ وذلك للتأكّد -كما تدّعي السلطة- من سلامة الجنين، ولتسهيل إحصائية المولود بعد الولادة!
وتساءلت وأنا أقرأ هذه الإجراءات الممعنة في الإيلام الجسدي والمعنوي: لماذا هذا؟! ما السبب وراءه؟! وفي ظل الحصار الاقتصادي الممارس ضدهم، فلنا أن نتخيل كيف سيتم توفير هذه المبالغ المالية التي تُطالب بها كل امرأة حامل كي تنفذ الإجراءات السيئة القسرية؟!
وهناك نظام آخر للسخرة ضد المسلمات، حيث يتم أخذهن عَنوةً من منازلهن وإجبارهن على العمل في معسكرات الجيش دون مقابل، وإجبار الفتيات المسلمات على الزواج من البوذيين! وتمارس ضدهن عمليات الاغتصاب الجماعي، وهتك الأعراض في صفوف المسلمات اللاتي يموت بعضهن بسبب الاغتصاب!
لقد تحمل المسلمون هناك هذه الممارسات الممعنة في التعذيب والإهانة والإذلال، والآن يُمارس ضدهم القتل والحرق والتهجير القسري، ومعظمنا لا يعرف عن هذه الممارسات غير الإنسانية الإجرامية، وهيئات حقوق الإنسان العالمية والعربية مشغولة بمتابعة منع ختان الفتيات وتزويج صغيرات السن، وإلغاء القوامة والولاية!!
** ذُكر أن هناك بعض الجماعات والحركات والمنظمات الإسلامية تقدِّم بعض المساعدات للمسلمين في بورما، إلا أنّ الجهود التي تُبذل ما زالت محدودة الأثر، تنحصر في توزيع المعونات الغذائية والإعانات العينية التي لا تفي بالحاجات الأساسية، ونحن نستعرض هذه الجرائم ألاَ يحق لنا أن نطالب الحكومات الإسلامية أن تتدخل لحماية المسلمين هناك والضغط على الحكومة في بورما؟ ألاَ يستطيع التجار المسلمون أن يمارسوا دورًا اقتصاديًّا يُسهِم في إيقاف هذا المد من الجرائم بحق هؤلاء المسلمين هناك؟

هناك 3 تعليقات: