الرئيس وضع مشكورًا منهجًا لتحقيق نهضة لمصر، ثم بحث عمن يحملون معه مشقة البحث والإدارة، فاعتذر الكثيرون، فمن يستطيع أن يدير إرادة الرئيس لتحقيق هدف النهضة؟ وهل نجد فى تولى والى مصر "محمد على" وحكمه لمصر إجابة عن هذا السؤال الصعب؟
لقد كانت الحالة الاقتصادية فى مصر تعانى الأمرين حين تولى محمد على زمام الأمور فيها، فقد كانت أسوأ مما نحن فيه الآن، ولم يكن الرجل مرغوبًا فيه من الإنجليز الذين حرضوا السلطان العثمانى على عزله، إلا أن الشعب المصرى وزعماءه تمسكوا به فسارعت إنجلترا بعزله بنفسها، حيث قامت بما سُمى "حملة فريزر" التى نجح محمد على والمصريون بعد كفاح فى إجلائها وإجبارها على انسحابها من مصر، بعدها كان طموح الوالى الفطرى جامحًا، فالطموح هو القائد والمدير لإرادة تصر على تحقيق النجاح، فأطاح بمن حوله من متصارعين على السلطة لتحقيق مأربه فى الانفراد والاستئثار بالقرار الذى استقر فى ضميره وتجمعت له إرادته: بناء مصر والنهوض بها عاليًا، فقد كان للرجل إرادة لا حدود لأجنحتها، وأدار هذه الإرادة بنجاح.
فوقتها انقسمت الزعامة الشعبية ما بين مؤيد ومعارض لعمر مكرم، فنفاه خارج مصر، واستشعر الوالى الخطر فى تعارك الزعماء حول الزعامة والمناصب، خاصة الأوقاف، طمعًا فى أموالها، فأقالهم جميعًا، ولما كان المماليك صداعًا فى رأسه ذبَّحهم فى القلعة وتخلص من ترفهم ومجونهم، وبذا هيأ لنفسه الأجواء لطريق الصعود بمصر، والصعود المستمر الذى لا يقدر عليه إلا كبير..
ولأن الإرادة القوية هى الانتصار على الضعف واليأس ومظاهر الإحباط وجماعة المحبطين - وقد كان اقتصاد البلاد فى تدنٍّ وركود وتدهور، فتصحرت الأرض الزراعية، ثم طغى الفيضان وأتلف الحقول وقضى على الأخضر واليابس، وبينما كانت أوروبا فى ثورة ونهضة صناعية كبيرة لم تكن مصر تملك من الصناعة شيئًا عدا قليل من الصناعات اليدوية البسيطة التافهة، أضف إلى ذلك تحول التجارة إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وانفلاتًا أمنيًّا يتمثل فى غارات من البدو على الطرق والقرى، لتنهار البلاد زراعيًّا وصناعيًّا وتجاريًّا، أى تنطفئ شموع اقتصادها تمامًا – فقد انطلق الوالى صاحب الإرادة القوية فى طريقه، حتى أطلق المؤرخون على عصره عصر نهضة مصر، وأطلقوا عليه مؤسس مصر الحديثة.
محمد على، الألبانى الأصل، أدرك أن مصير مصر فى ملكيتها للقمتها واكتفائها بذاتها، وعرف أن اللجوء لمنتجات الغير وجعل مصر سوقًا لها هما عبودية ورق، رفض أن تقع فيهما مصر، والتخلف عن مسايرة ومواكبة ثورة أوروبا الصناعية هو ضعف وتقهقر، وأدرك أيضًا أنه لابد لهذا النجاح من جيش يحمى نجاحه من المتربصين والحاقدين.
استطاع الوالى رجل الدولة أن يكون الفكرة، ويسقيها جهده، ويتطلع لأفق مشرق مستنير، فبدأ فى جمع أراضٍ زراعية بمساحات شاسعة ضمها للدولة ممن لم يثبتوا ملكيتها، كذا ضم أرض الأوقاف، وشق لها الترع والقنوات، مستعينًا بخبراء من اليونان، مستحدثًا آلات الزراعة وآلياتها، وبنى الجسور والقناطر، وحمل نباتات جديدة للأرض المصرية مثل القطن وقصب السكر والسمسم وغيرها.. والتوت الذى أقام له صناعة الحرير.. بل وصدَّر القطن للخارج.. مستهدفًا السوق العالمية.
الوالى الطموح الذى أطلقوا عليه – الديكتاتور المستنير - لم تصبح الزراعة فى عهده هدفًا غذائيًّا فحسب، بل أيضًا تنمية موارد الدولة ماليًّا.. واستخدم هذه الموارد فى التنمية الصناعية حتى لا يقع تحت ضغوط الديون وعنائها، وقام بتمويل الحرفيين (مشاريع متناهية الصغر) بالخامات، ويشتريها منهم (منتجات تامة الصنع)، واستعان بالأجانب أمثال كلوت وجوميل وبوكتى وسيف لتأسيس مصانع للسكر والمنسوجات القطنية ومستلزمات الجيش من ملابس وأحذية وغيرها تخضع للضوابط والرقابة الصناعية، بعدما كانت الصناعات تتم فى المنازل والورش، فكان أول من وضع مفهوم المصنع فى مصر.
ومهد الوالى طرق التجارة وطهرها من اللصوص وقطاع الطرق وبنى أسطولاً تجاريًّا ينطلق فى البحر الأحمر بصادرات مصر.
محمد على لم يطلق على عهده أى مسمى، ولم يحمل نهجه أى شعار، ولكن المؤرخين هم من أطلقوا على عهده "عصر النهضة"، فمن كانوا جنود نهضته؟ محمد على جمع المتسولين فى شوارع وأزقة مصر ليتعلموا الحرف المتنوعة ويصبحوا عمالاً يقيمون معه نهضة مصر.
وأرسل البعثات العلمية لفرنسا ليتعلم المبتعثون ما ينفع مصر من علوم وفنون، وأنشأ لأول مرة كلية للطب ليصير المصرى طبيبًا لأول مرة.
المزارعون والحرفيون وتلاميذ المدارس وفئات الشعب هم جنود النهضة.. فما المانع من أن يبدأ الشعب مع الرئيس مرسى برنامجه لنهضة مصر؟
وما المانع أن يرسل الرئيس البعثات للدراسة فى الخارج فيختار مثلاً المائة الأوائل من أوائل الشهادات ليدرسوا بالخارج، ويستقدم الخبراء والمبتعثين ليقيموا بيننا ويعلموا أولادنا؟ ولماذا لا يعيد الاحتفال بعيد العلم؟ ولماذا لا تكون هناك مؤسسات تشرف على التبادل العلمى وتبادل دراسات علمية بيننا وبين دول العالم الصناعية المتقدمة؟
لقد زرع محمد على أربعة آلاف شجرة مازالت تظلل الطريق الزراعى شمالاً وجنوبًا، وزرع نهضة فى مصر يومًا ما ثم اندثرت، ولأن طريق النجاح ما هو إلا إدارة تدير الإرادة؛ فهل نستطيع بإرادتنا أن نستعيد طرق إدارة عودتها؟
لقد كانت الحالة الاقتصادية فى مصر تعانى الأمرين حين تولى محمد على زمام الأمور فيها، فقد كانت أسوأ مما نحن فيه الآن، ولم يكن الرجل مرغوبًا فيه من الإنجليز الذين حرضوا السلطان العثمانى على عزله، إلا أن الشعب المصرى وزعماءه تمسكوا به فسارعت إنجلترا بعزله بنفسها، حيث قامت بما سُمى "حملة فريزر" التى نجح محمد على والمصريون بعد كفاح فى إجلائها وإجبارها على انسحابها من مصر، بعدها كان طموح الوالى الفطرى جامحًا، فالطموح هو القائد والمدير لإرادة تصر على تحقيق النجاح، فأطاح بمن حوله من متصارعين على السلطة لتحقيق مأربه فى الانفراد والاستئثار بالقرار الذى استقر فى ضميره وتجمعت له إرادته: بناء مصر والنهوض بها عاليًا، فقد كان للرجل إرادة لا حدود لأجنحتها، وأدار هذه الإرادة بنجاح.
فوقتها انقسمت الزعامة الشعبية ما بين مؤيد ومعارض لعمر مكرم، فنفاه خارج مصر، واستشعر الوالى الخطر فى تعارك الزعماء حول الزعامة والمناصب، خاصة الأوقاف، طمعًا فى أموالها، فأقالهم جميعًا، ولما كان المماليك صداعًا فى رأسه ذبَّحهم فى القلعة وتخلص من ترفهم ومجونهم، وبذا هيأ لنفسه الأجواء لطريق الصعود بمصر، والصعود المستمر الذى لا يقدر عليه إلا كبير..
ولأن الإرادة القوية هى الانتصار على الضعف واليأس ومظاهر الإحباط وجماعة المحبطين - وقد كان اقتصاد البلاد فى تدنٍّ وركود وتدهور، فتصحرت الأرض الزراعية، ثم طغى الفيضان وأتلف الحقول وقضى على الأخضر واليابس، وبينما كانت أوروبا فى ثورة ونهضة صناعية كبيرة لم تكن مصر تملك من الصناعة شيئًا عدا قليل من الصناعات اليدوية البسيطة التافهة، أضف إلى ذلك تحول التجارة إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وانفلاتًا أمنيًّا يتمثل فى غارات من البدو على الطرق والقرى، لتنهار البلاد زراعيًّا وصناعيًّا وتجاريًّا، أى تنطفئ شموع اقتصادها تمامًا – فقد انطلق الوالى صاحب الإرادة القوية فى طريقه، حتى أطلق المؤرخون على عصره عصر نهضة مصر، وأطلقوا عليه مؤسس مصر الحديثة.
محمد على، الألبانى الأصل، أدرك أن مصير مصر فى ملكيتها للقمتها واكتفائها بذاتها، وعرف أن اللجوء لمنتجات الغير وجعل مصر سوقًا لها هما عبودية ورق، رفض أن تقع فيهما مصر، والتخلف عن مسايرة ومواكبة ثورة أوروبا الصناعية هو ضعف وتقهقر، وأدرك أيضًا أنه لابد لهذا النجاح من جيش يحمى نجاحه من المتربصين والحاقدين.
استطاع الوالى رجل الدولة أن يكون الفكرة، ويسقيها جهده، ويتطلع لأفق مشرق مستنير، فبدأ فى جمع أراضٍ زراعية بمساحات شاسعة ضمها للدولة ممن لم يثبتوا ملكيتها، كذا ضم أرض الأوقاف، وشق لها الترع والقنوات، مستعينًا بخبراء من اليونان، مستحدثًا آلات الزراعة وآلياتها، وبنى الجسور والقناطر، وحمل نباتات جديدة للأرض المصرية مثل القطن وقصب السكر والسمسم وغيرها.. والتوت الذى أقام له صناعة الحرير.. بل وصدَّر القطن للخارج.. مستهدفًا السوق العالمية.
الوالى الطموح الذى أطلقوا عليه – الديكتاتور المستنير - لم تصبح الزراعة فى عهده هدفًا غذائيًّا فحسب، بل أيضًا تنمية موارد الدولة ماليًّا.. واستخدم هذه الموارد فى التنمية الصناعية حتى لا يقع تحت ضغوط الديون وعنائها، وقام بتمويل الحرفيين (مشاريع متناهية الصغر) بالخامات، ويشتريها منهم (منتجات تامة الصنع)، واستعان بالأجانب أمثال كلوت وجوميل وبوكتى وسيف لتأسيس مصانع للسكر والمنسوجات القطنية ومستلزمات الجيش من ملابس وأحذية وغيرها تخضع للضوابط والرقابة الصناعية، بعدما كانت الصناعات تتم فى المنازل والورش، فكان أول من وضع مفهوم المصنع فى مصر.
ومهد الوالى طرق التجارة وطهرها من اللصوص وقطاع الطرق وبنى أسطولاً تجاريًّا ينطلق فى البحر الأحمر بصادرات مصر.
محمد على لم يطلق على عهده أى مسمى، ولم يحمل نهجه أى شعار، ولكن المؤرخين هم من أطلقوا على عهده "عصر النهضة"، فمن كانوا جنود نهضته؟ محمد على جمع المتسولين فى شوارع وأزقة مصر ليتعلموا الحرف المتنوعة ويصبحوا عمالاً يقيمون معه نهضة مصر.
وأرسل البعثات العلمية لفرنسا ليتعلم المبتعثون ما ينفع مصر من علوم وفنون، وأنشأ لأول مرة كلية للطب ليصير المصرى طبيبًا لأول مرة.
المزارعون والحرفيون وتلاميذ المدارس وفئات الشعب هم جنود النهضة.. فما المانع من أن يبدأ الشعب مع الرئيس مرسى برنامجه لنهضة مصر؟
وما المانع أن يرسل الرئيس البعثات للدراسة فى الخارج فيختار مثلاً المائة الأوائل من أوائل الشهادات ليدرسوا بالخارج، ويستقدم الخبراء والمبتعثين ليقيموا بيننا ويعلموا أولادنا؟ ولماذا لا يعيد الاحتفال بعيد العلم؟ ولماذا لا تكون هناك مؤسسات تشرف على التبادل العلمى وتبادل دراسات علمية بيننا وبين دول العالم الصناعية المتقدمة؟
لقد زرع محمد على أربعة آلاف شجرة مازالت تظلل الطريق الزراعى شمالاً وجنوبًا، وزرع نهضة فى مصر يومًا ما ثم اندثرت، ولأن طريق النجاح ما هو إلا إدارة تدير الإرادة؛ فهل نستطيع بإرادتنا أن نستعيد طرق إدارة عودتها؟
بصراحة الواحد نادر قوى لما يلاقى مدونة او موقع يستفيد مهم بشكل كبير
ردحذفاشكرك على اسلوبك وطريقتك فى الكتابة ، وكمان مدونتك ذوقها جميل جدا
وتتمتع بالسهولة والبساطة فى التصفح وبها مجموعة من المواضيع الرائعة والمفيدة
اشكرك علي هذا المجهود الرائع وننتظر المزيد منك انشاءالله
ردحذفوشكرا
موضوع رائع جدا
ردحذفشكرا لكم