الثلاثاء، 18 يناير 2011

ثورة يمامة


وقفت اليمامة تتحاور وتتساءل:
لم لا يزهو ويعتد بنفسه..؟!
فهو ملك الغابة..! ما أن يزأر، إلا لبت نداءه كل الكائنات الحية من شتى الأنحاء، وألحت فى السؤال:
لم نخضع له دون سواه..؟!
ماذا يميزه عنا..؟
أضخامة جسده..؟! أم حدة أنيابه..؟! أو لعلها شراسته..! ربما رجاحة عقله وحكمته..!!
رأته فى السلم يطلق أسرابا من طيوره لتردد نشيد السلام.. ووقت الحرب يرسل زواحفه تبث سمها بين طرفى النزاع.. احتارت فى أمره، فهو تارة يشجع السلام ويؤازره بكل جوارحه، وتارة يشعل نيران الحرب والفناء، فأمتلأ جسدها النحيل غيظا منه.. قررت أن تثير ثورة ضده.

انتقلت من غصن إلى غصن.. من طير إلى طير من حيوان لآخر.. تلقنه أفكارها.. تعبر عن رأيها.. تحثهم على المطالبة باختيار حاكم غيره.. مبررة عدم أحقيته السيطرة على حياتهم دون رغبتهم.. فليعط فرصة لغيره ..ربما ينجح فى توفير عيشة افضل لهم ..تبادر الى سمعه الأنقلاب الذى تقوده ضده..


طلب مقابلتها فى المكان والزمان اللذين تحددهما، ليستمع لها عن قرب ويتواجها.


دب داخلها شعور بالفرحة جعلها تحلق فى عنان السماء.. رسوخ إيمانها بما دعت إليه دفعها لاقتحام عرينه.. وما أن أدركته حتى انتفض ريشها خشية ورهبة أوشكت التراجع على أثرهما، وسرعان ما استمدت من حماستها قوة رفرفت بها جناحاها من جديد ودخلت إليه ملامسة سقف بيته شاهق الجدران.. بهرها تناغم الألوان والهدوء الذى يسكن المكان، فتلاشى توترها شيئا فشيئا..

وجدته شامخا أمامها.. تأملته بشجاعة.. ركزت على عينيه الواسعتين.. لمحت حزنا مستقرا فيهما.. دموعا متجمدة حائرة بين مقلتيه..علامات الأسى واضحة على جبينه.. ثم جلس مغمضا عينيه، مواريا جبروته، فتساءلـت:
- هل هناك شىء يفتقده ملك الغابة..؟! أم أنه يخفى بين طيات نفسه ضعفا عظيما؟ أو هى لحظة يرثى فيها من فتك بهم وشتت أشلاءهم..؟! ثم استهل حديثه مغلفا كلماته برقة وذوبة لم تعهدهما فيه من قبل..

- كل من حولى ينافقوننى.. لم يجرؤ أحد سواك أن يسقطنى عن عرشى الذى تربعت عليه منذ سنوات بعيدة.


- أعى تماما مدى إمكانياتى المتواضعة.. ولكن كلى ثقة أننى أتساوى معك فى ميزان الحياة.. بل وأتفوق عليك فى العديد من الجوانب.. رغم بروز ضآلتى، وعظمة سلطانك..!!


- كلماتك تحمل بين حروفها سخرية.. هجوما.. تحديا

- لأنك لا تملك غيرهم..تصور لك ذاتك أن الجميع يفكرون مثلك وتنظر اليهم من خلالك..!
- إنها طبيعة وهبنى الله إياها..كيف لى أن أبدلها..؟!
- منحك إياها كى تستغلها فى الدفاع عن نفسك وعن أفراد غابتك..لا فى البطش بهم..أو إزهاق أرواحهم، وإهدار دمائهم.
- الحياة صراع من أجل البقاء.!
- فلنستفت الجميع فى حبهم لى.. فى تأييدهم لمذهبى..لسياستى.
- كى يكون استفساء صحيحيا تنح عن منصبك أولا، لتعرف حقيقة مشاعرهم نحوك بلا زيف ..بلا خوف.
- هز رأسه موافقا، وقال:
- سأتنازل عن ملكى بإرادتى على أن أرشح نفسى من جديد مع منافسين أمثالك
- دون أن تهدد، أو تتوعد لمن لا يختارك..!!
- أعدك بعدم المساس بأى فرد..
علقت اللافتات فى كل ركن بالغابة..كل كائن حى بها اكتشف مقومات داخل ذاته جعلته يتطلع إلى المنصب.. جانب كبير بدأ ينحاز إلى اليمامة لما أحدثته من تغييرات شاملة وواضحة أحسها الجميع.. ارتفع عدد الأصوات المؤيدة لها..الكل ينتخب.. يختار حاكمه بحرية كاملة، عن اقتناع بضرورة تعبير كل فرد عن رأيه، كحق مشروع لكل واحد منهم.

حان موعد إعلان النتيجة..البعض يتوقع.. البعض الآخر يجزم بيقين على معرفته بالفائز حتى قبل أن تجرى الانتخابات..! واشتاقت الآذان لسماع أسم الحاكم الجديد ..جاءهم النبأ فى غضون دقائق معدودة .."الليث الأبيض".!! تهللت وجوه واكفهرت وجوه ..تمتم الحاضرون بكلمات مبعثرة.

- وصل إلى كرسى الحكم بفارق بضعة أصوات عن اليمامة..
- إنها أول معركة انتخابية شهدتها الغابة..!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق