الاثنين، 26 يوليو 2010

الـواد وأبـوه


هذه القصة تشغل أمريكا الآن ، بطلها « تيدي » طالب في المرحلة الثانوية في إحدي مدارس ولاية تكساس، ينتمي إلي عائلة ثرية معروفة بتأييدها للحزب الجمهوري الذي يحكم أمريكا الآن والذي طالما حكم تكساس نفسها لسنوات طويلة، فجأة قرر الابن تيدي أن يعلن انتماءه للحزب الديمقراطي الذي شعر بالانتصار لأنه خطف ابن واحدة من العائلات الأمريكية مفرطة الجمهورية، والد تيدي شعر بالخيانة بسبب ما فعله ابنه الذي فضحه وسط أصحابه في الحزب ، فقرر أن يمتنع عن دفع نفقات الجامعة التي كان سينتقل ابنه إليها في العام المقبل، فجأة تحول الأمر من خلاف عائلي خلف الأبواب المغلقة إلي قضية تشغل بال أمريكا ، هل من حق الابن أن يخرج علي الانتماء السياسي للعائلة في مجتمع محافظ مثل تكساس ، مازال الانتماء العائلي يشكل فيه عاملاً مهمًا جدا، بدأ الأمر عندما استضافت أشهر محطة إذاعية في تكساس الأب والابن في مواجهة سياسية علي الهواء ليتحدث الإبن عن سر اختياره لانتماء سياسي جديد ،
ويتحدث الابن عن صدمته هو وعائلته في الابن الذي خان مبادئ العائلة وعن كيف يعتبر أن قراره بعدم دفع نفقات تعليم ابنه أبسط رد علي قرار الابن، انهالت المكالمات علي البرنامج تؤيد الابن وتحثه علي المضي في قراره وتهاجم الأب - النتن - طالبة منه ألا يستخسر في ابنه نفقات التعليم، ألقي الابن في البرنامج مفاجأة من العيار الثقيل عندما قال : إنه لا يريد من أبيه أن يدفع نفقات تعليمه وأنه ليس بحاجة إلي ذلك ، كيف إذن ستكمل تعليمك ياتيدي وأنت الذي تحلم بدخول هارفارد أو ييل .
وكلتاهما من أغلي وأرقي جامعات أمريكا، قام تيدي بطل المصارعة في مدرسته بتأسيس موقع علي شبكة الإنترنت يحكي فيه قصته ويروج فيه لمبادئه المناهضة للحزب الجمهوري والمؤيدة للحزب الديمقراطي ، ويطلب من الذين يقتنعون بقضيته أن يساعدوه علي دفع نفقات تعليمه من خلال التبرع له بمبالغ مالية يحصلون مقابلها علي إعلانات في الموقع .
في خلال أيام معدودة تمكن تيدي من جمع أربعة آلاف دولار من مناصريه الذين كان علي رأسهم جدته أم والده التي قررت أن تنحاز لحفيدها ضد ابنها .

المثير في الأمر أن تيدي مازال يقيم في منزل والده الذي لم يصعِّد الأمر واكتفي بعقوبات اقتصادية علي نفقات التعليم لا علي " المـم " والنوم . في برنامج " إنسايد إيديشن " الجميل شاهدت الأب والابن وهما يجتمعان في مطبخ منزل العائلة في مماحكة سياسية يتحدي فيها الابن أباه في أنه واثق من أنه سيتمكن من إقناعه بتغيير انتمائه السياسي، بينما يؤكد الأب أنها نزوة وستنتهي ، فيما تحاول الأخت الصغيرة أن تقنع أخاها بأن يعيش عيشة أهله الجمهوريين .
انتهي التقرير البديع بلقطة للأب والابن يتصارعان سويا وهما يؤكدان للبرنامج أنهما رغم خلافاتهما السياسية مازالا أعز صديقين وأن السياسة لن تتمكن من تدمير محبتهما لبعضهما البعض.

هل تبدو هذه حكاية عائلية تافهة ؟
لا أعتقد علي الإطلاق ، هل تبدو قصة أمريكية محلية بعيدة عن الهم العام لنا في مصر؟
أبسوليتلي ، بالعكس أعتقد أن هذه الحكاية تدخل في صلب مأساتنا السياسية والاجتماعية ، بل أحب أن أبالغ فأقول إن أحوالنا لن تنصلح إلا لو تمني كل منا أن يكون لديه ابن مثل تيدي، وأن الله تعالي لن ينفخ في صورتنا إلا لو توقفنا جميعا عن تلك المقولة اللعينة التي نقولها في معرض المدح والفخر بأبنائنا " يارب تطلع زي أبوك " ، وهي مقولة ربما لو تخلصنا منها بداخلنا لما ظهرت لدينا يومًا ما مشكلة التوريث، التوريث أياً كان في أي مكان صحرا كان أو بستان .

هنا دعونا نسأل أنفسنا :
متي يمكن أن نشهد في بلادنا قصة مثل قصة تيدي ؟
لا تقل لي " ودي تيدي " ؟
بل دعنا نتخيل الأوساط السياسية وهي تهتز يومًا ما عندما تري جمال مبارك وقد قرر الانضمام لحركة كفاية أو حتي إلي حزب الوفد مثلا سواء كان وفد عماد الدين أو وفد بولس حنا أو حتي وفد سمنود ، هل يمكن أن نري إيمان نعمان جمعة وهي تظهر علينا لتقول إنها تري أن والدها غير محق علي الإطلاق في تشبثه المرير بمقعد الرئاسة حتي لو جاء ذلك علي حساب الوفد ، وهل يمكن أن نري ابن الحاج أحمد الصباحي وهو يستنكر إصرار والده علي
ارتداء الطربوش .

لا أهزل وربي بل أتحدث جادا وأسأل ملحًا ، ماالذي يمكن أن يحدث لو قرر ابن أحد الشخصيات الحكومية البارزة لدينا أن ينضم إلي حزب معارض أو حركة احتجاجية أو ينتقد أباه عيانًا بيانا ؟
هل سيحظي بتقدير أحد أو تشجيعه ، أم ستنهال عليه اللعنات من كل حدب وصوب وتتهمه بعقوق الوالدين وبقلة الأدب والخروج علي الأعراف والتقاليد والقيم ؟
وهل يمكن أن يتبرع أحدنا لابن لو قرر أن يفعل مافعله تيدي، أم أننا سنتبرع جميعا بتذكيره بالعيب والأصول والحرام وأحسن ييجي في عيالك ؟
لماذا يسير الأبناء في بلادنا دائما في ركاب آبائهم سواء في السياسة أو البيزنس أو حتي في الذهاب إلي صلاة الجمعة .
لماذا نسحق دائما تفرد أبنائنا وتميزهم ونفرح باتفاقهم معنا أكثر من اختلافهم معنا ؟
لماذا نخلط دائما بين بر الابن بأبيه وبين تحوله إلي نسخة باهتة من أبيه؟ وهل أساء الآباء في بلادنا تفسير نصوص دينية مثل " وبالوالدين إحسانا " أو " أنت ومالك لأبيك " لكي يمارسوا قمعًا أبويا علي أبنائهم ينتهي بتحول أبناء الناجحين عادة إلي نسخ مشوهة منهم ؟

وهل من بر الوالدين أن نسلم دائما بأنهم علي حق ؟
وهل آباؤنا دائما علي حق ؟
وإذا كان يمكن للأب أن يكون علي حق لأنه قرر أن يحرم الأم من مصروف البيت أو أصدر فرمانًا بإلغاء التصييف في جمصة ، فهل يكون علي حق وهو يعيث في الأرض فساداً أو وهو يأكل مال النبي والصحابة أو وهو يصدر أمرا بضرب المتظاهرين العزل أو التحرش بالصحفيات أو وهو لا يفرق بين بيع عمر أفندي أو اليوستـفندي ؟
أليس حرامًا السكوت علي مايفعله أب كهذا من باب إنكار المنكر
وهل يمكن أن يكون تيدي الأمريكاني أقرب منا نحن منتسبي الإسلام إلي مفهوم بر الوالدين ؟ .
بالطبع ليست كل هذه الأسئلة تحريضاً علي عقوق الوالدين ولا لقتل الأب علي الطريقة الحداثية، بقدر ماهي دعوة لاستغلال أزمة أنفلونزا الطيور لعلنا نغلق مزارع الفراخ التي نفتحها جميعا في بيوتنا ونفرخ من خلالها أجيالاً من الدواجن لا تهش ولا تنش ولا تتمرد ولا تشاغب ولا تعترض ولا تكاكي إلا بما يوافق هوي بابا ..
صاحب المزرعة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق