عندما يقول لكم قائل إن مصر خيرها على الكل. أرجوكم لا تتسرعوا بالرفض أو التهكم. فمصر فعلا خيرها على الكل، كل من حكمها. لم تنل مصر من خيرها ما ناله حكامها وأنجالهم والذين تشددوا لهم ولأنجالهم. لذلك لا تعجب إن رأيت هؤلاء جميعا يتحدثون بعصبية عن أولئك الذين لا يحبون مصر والذين لا يريدون لها الخير، الخير الذى غرقوا فيه وأغرقوا مصر وأبناءها، الذين قضوا عمرهم هاتفين أو صامتين على الحاكم تلو الآخر أملا أن ينالهم نصيب من خير مصر الذى آمنوا به ولم يروه.استثن الرئيس محمد نجيب، الذى لم يعمر كثيرا على كرسى الحكم، ولذلك مات فقيرا وعاش أبناؤه وأحفاده من بعده فقراء مدقعين، بينما أكل مئات الصحفيين على قفاهم عيشاً فى موضوعات تحكى مأساتهم ولو بيعت بالكيلو لأغنتهم.
وانظر إلى جمال عبدالناصر الذى لم ير فقراء مصر عزاً كالذى شهدوه فى عهده، كيف لا وقد كان أبوه بوسطجيا على قد الحال، لن نلتفت إلى ادعاءات أعدائه المبتذلة، بأنه كان يخجل من مهنة أبيه وأنه منع أغنية البوسطجية اشتكوا، سنكذبهم بصورة ناصر وهو يسير إلى جوار أبيه، الذى لم تغير سلطة ابنه مظهره البسيط، سنكذبهم بمئات الحكايات الموثقة عن الجبنة القريش التى لم يكن يأكل غيرها، والخزنة الفاضية التى تركها عند موته، وأموال الدولة التى لم ينهبها ولم يورثها لأبنائه، بلاش لن ندخل معهم فى نقاش حول كل هذا، فقد رحل عبدالناصر وأفضى إلى ما قدم، بل سننشغل بأسئلة عصية وعصيبة تهمنا أكثر،
سنسأل عما انتهت إليه ثورة يوليو بعد عبدالناصر، سنسأل عن الفقراء الذين يطفحون الدم عمراً بحاله فى تعليم أبنائهم ليُرفضوا بعده فى الوظائف المحترمة والسيادية، لأنهم ليسوا قد المقام. سنسأل والسؤال لم يَحرُم مع احترامنا لحرمات الجميع، هل يمكن أن تناسب عائلة عبدالناصر اليوم بوسطجيا كالجد أو شابا على قد حاله لا يمتلك سوى طموحه وذكائه وحبه لجمال عبدالناصر.
على رأى أبونا صلاح جاهين «خلى المكنجى يغير المنظر» وانظر إلى بطل الحرب والسلام أنور السادات الذى كان يفتخر بأيام الفقر فى القرية التى لم ينس أبدا أخلاقها، السادات الذى كان يفتخر بأنه اضطر لكى يعمل شيالاً وشغالاً فى الفاعل وسائق لوارى، قل لى أين يعمل أبناؤه وأحفاده وفى أى قرية من قرى الساحل الشمالى يضيق خلقهم؟ استثن أفراد الفرع الفقير من العائلة، الذين جار عليهم الزمن، وحدثنى عن الخير الذى أسبغته مصر على آل السادات بمن فيهم بعض أقاربه الذين وقفوا خلف قضبان المحاكم يوماً ما متهمين بالفساد، ثم كانت مصر كريمة معهم لدرجة أنها يا عينى تجلس الآن لتستمع إلى رؤيتهم للإصلاح.
لن أطلب منك تغيير المنظر وأنت تنظر إلى الرئيس محمد حسنى مبارك، فقد اختفى المكنجى المختص بتغيير المنظر فى ظروف غامضة، وتركنا لصورة ثابتة لا تتغير يحتلها حاكم أعلن بفخر أن أقصى أحلامه كان أن يتم تعيينه سفيرا فى لندن،
ومع ذلك فهو الآن محاط بأناس يعتقدون أن مصر لا يمكن أن تعيش من غيره، ويلعنون كل من يعارضه لأنهم لا يقدرون تضحيته من أجل مصر بكل متع الدنيا، يمكن أن تذهب إلى السجن لو ظننت أن مصر ستكون بخير لو لم يحكمها،
ويمكن ألا تذهب إلى السجن فقط لأنه لم يرد لك ألا تذهب، ابنه الأصغر الذى مرة فاته الباص وركب «تاكسى» إلى المدرسة يحدث نفسه أنه سيحدث مصر، يظن أنه سينقذها ويطورها ويريها العز الذى لم تره فى أيام والده، ومصر نفسها لا تستطيع أن تقول له إنها أكبر منه بكثير.
أبناء عبدالناصر والسادات ومبارك كلهم موقنون أنهم يستحقون كل ما نالوه من خير مصر، لأن آباءهم أعطوا مصر الكثير وضحوا بحياتهم من أجلها، ومصر للأسف لن تفكر أبدا أن تسألهم عن الخير الذى نالها على أيديهم، ليس لأنها لا تعرف الخير الذى نالهم جميعا على يديها، وليس لأنها خجلى من تذكيرهم كيف كان سيكون حالهم لو لم يحكمها آباؤهم، بل لأن مصر تعرف ربنا كويس، ولذلك تكتفى دائما بأن تسلم أمرها لله. ونعم بالله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق