الحكومة قررت منع تعليق زينة رمضان إلا بترخيص
"هكذا رأت الحكومة الذكية أن مشوار الألف ميل يبدأ في خطوة، ويبدو أنه الفكر السائد عندها في كل المشاريع؛ حيث لا تتحرك بعد هذه الخطوة".. ففي الوقت الذي يسعى فيه جميع المواطنين لشراء فوانيس وزينة رمضان؛ احتفالاً بقدوم ذلك الشهر المبارك الذي يأتي مرة في العام الواحد، فوجئ الجميع بأن زينة رمضان ممنوعة السنة ديه، إلا لمَن يحصل على ترخيصٍ من وزارة الكهرباء؛ حيث طالب عبد العظيم وزير محافظ القاهرة شركات الكهرباء بالسيطرة على إصدار تراخيص تعليق الزينات خلال شهر رمضان، وأن تتولى شرطة مباحث الكهرباء تنفيذ ذلك، مع دعوة المواطنين للمشاركة في ترشيد الكهرباء وتعريفهم بأهمية اتباع ذلك القرار. وعلى نطاق محافظة الجيزة أصدر الدكتور فتحي سعد محافظ 6 أكتوبر تعليمات مشددة لرؤساء المراكز والمدن بمنع تعليق أي لمبات أو مصابيح كهربائية للزينة بالشوارع للاحتفال بقدوم شهر رمضان حتى ولو كانت على حساب المواطنين وأمر بإزالتها فورًا في حالة وجودها؛ وذلك كما يقول ترشيدًا لاستهلاك الكهرباء. جاء القرار ضمن الخطط التي تبحثها الحكومة خلال الفترة الحالية لبحث أنسب الطرق والحلول لتنفيذ برنامج لترشيد واستهلاك الكهرباء، على أن يتم السماح بتخفيض الكهرباء بالشوارع الجانبية والفرعية بنسبة 50%، معلنين متابعتهم لتنفيذ هذا القرار على أرض الواقع في الشوارع والميادين، في خطوةٍ من بنات أفكار الحكومة لترشيد استهلاك الكهرباء. وحول القرار وحيثياته بشأن ترشيد الاستهلاك بنسبة 50% صرَّح الدكتور أكثم أبو العلا وكيل وزارة الكهرباء والمتحدث الرسمي للوزارة أن قرار ترشيد الكهرباء بنسبة50% هو قرار وزاري يرجع إلى العديد من الأسباب أهمها أن الإنارة في الشوارع مسئولية المحليات، وأن هذا القرار صدر بعد دراسة أُجريت في وزارة الكهرباء أثبتت أن شدة الإنارة في شوارع مصر تبلغ 5 أمثال المعدلات العالمية لإنارة الشوارع, وأن تخفيض50% من هذه الإنارة يعني أنها ما زالت ضعف المعدلات العالمية, وأن تطبيق القرار, وما شابه من قصور في تنفيذه بإطفاء شوارع كاملةً يرجع إلى أسباب فنية، ووزارة الكهرباء وشركاتها تضع كل إمكانياتها لتنفيذ القرار, بحيث يكون بالتبادل بين الأعمدة ولمبات الإنارة. في سياقٍ متصل اعترف الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء والطاقة أن الأجهزة المسئولة في مصر اضطرت إلى ترشيد استهلاك الكهرباء وقت الذروة؛ وذلك من خلال تخفيض إنارة الشوارع ليلاً لتخفيف الأحمال على محطات توليد الكهرباء بدلاً من رفع أسعار الكهرباء، بينما يشكو جميع المواطنين من ارتفاع فاتورة الكهرباء. وكان قد صرَّح يونس أننا بحاجةٍ لتوفير 3 آلاف ميجاوات يوميًّا لتوفير الطاقة اللازمة للإنارة خلال ساعات الذروة، مشيرًا إلى أن ذلك يتطلب استثمارات تُقدَّر قيمتها بـ3 مليارات دولار، أي ما يعادل 16.5 مليار جنيه مصري؛ حتى يتمكنوا من الوفاء باحتياجات ساعتي الذروة التي تبدأ بعد الغروب. وقد أحدث هذا القرار أصداءً واسعةً في الشارع المصري ما بين الكثير من المعارضين والقليل من المؤيدين.. (إخوان أون لاين) قام بجولة ميدانية لرصد واقع أصحاب المحلات وردود أفعال المواطنين تجاه هذا القرار. بدأت جولتنا الأولى بالمحلات التي بدا عليها مشهدان منذ أول وهلة خطت فيها أقدامنا أرصفة متاجر الفوانيس والمحلات التي تتزين لقدوم شهر رمضان، كان المشهد الأول في محلات بيع فوانيس وزينة رمضان بمنطقة الزيتون تبدو متزينة بأجمل فوانيس ولمبات زينة رمضان وكأنها لم تسمع عن قرار المحافظ بشأن إصدار تراخيص لمَن يعلق فوانيس أو زينة رمضان، حتى تجار ياميش رمضان اكتست واجهات محلاتهم باللمبات الكبيرة التي جعلت من منطقة الزيتون تبدو وكأنها في وقت الظهر، ولم يكن هذا بجديدٍ فهذا هو حالها كل عام تزامنًا مع قدوم شهر رمضان، وهو ما أكده أصحاب المحلات والمتاجر. أصحاب المحلات والمتاجر أخبرونا أنهم يسددون أموالاً باهظةً خلال شهر رمضان لفواتير الكهرباء، مؤكدين أنهم لا يأخذون شيئًا من أحدٍ ببلاش، على حدِّ قول الحاج سعيد الشحات أحد أصحاب محلات بيع الفوانيس، والذي أكد أنه يسدد مبالغ باهظة خلال شهر رمضان، مضيفًا أنه شهر واحد في العام، وتلك الأضواء والزينة هي التي تخبر المواطنين بقدوم شهر رمضان، وتجذبهم للشراء. كان المشهد الثاني الذي شاهدناه في تلك المنطقة هو كل صاحب محل أو متجر يضع أمامه فانوس رمضان، وحينما سألناهم عن سبب ذلك أجابنا: علاء السيد صاحب "سنترال" أنه اشترى فانوسًا كبيرًا بألوان زاهية ووضعه أمام المحل، وهذا حاله في كل عام حينما يأتي شهر رمضان، موضحًا أن مظاهر الفرحة بشهر رمضان لها عامل أساسي في جذب المواطنين للشراء، وخاصةً السنترالات؛ حيث تشهد توافدًا من المواطنين لشراء كروت الاتصال التليفونية، لاسيما لكثرة التهاني في هذا الشهر المبارك. خلال جولتنا بمنطقة الزيتون لمسنا خلو الشوارع الجانبية والحارات من أي مظهر من مظاهر الزينة أو الفوانيس، وهذا على غير العادة؛ حيث كانت شوارع ماهر والعزيز بالله وطومان باي تكتسي بأضواء ولمبات زينة رمضان، فضلاً عن اختفائها أيضًا عن العديد من العمارات السكنية. موسم أما في منطقة المرج، فقد رصدنا خلال جولتنا الميدانية شارع السوق أمام محطة مترو المرج الذي يشهد توافدًا كبيرًا من جميع المواطنين، قابلنا عم حسن فوزي الذي يعمل في تجارة زينة وفوانيس رمضان منذ أكثر من 28 عامًا، كان بصحبته أبناؤه الثلاثة، وكانت ابنته الكبرى هي المسئولة عن الحسابات، اتخذ عم حسن حارةً جانبيةً من شارع سوق المرج وافترشه بالفوانيس والزينة، وكانت أصوات "رمضان جانا.. ووحوي يا وحوي" إحدى وسائله لدعوة المواطنين للشراء". وحينما سألنا عم حسن عن حصوله على ترخيصٍ من وزارة الكهرباء لتعليق زينة وفوانيس رمضان، جاء رد فعله على سؤالنا باندهاش واستغراب حيث أجابنا قائلاً: "ترخيص إيه، طول عمرنا ما دفعناش تراخيص، وبعدين ده موسم، هما عايزين مننا إيه، وبعدين أنا بشتغل من المولد بتاعي اللي أنا اشتريته، هما عندهم في موضوع الكهربا الزايدة، بس ده رزقنا وهو شهر واحد في السنة". أثناء مقابلتنا مع عم حسن جاء شابان ليشتريا لمبات وأسلاكًا وفانوسًا لتعليق زينة رمضان بأحد الشوارع الجانبية، وسمعت منهم أنهم سيشترون 10 أمتار و10 لمبات، واللمبة الواحدة 100 وات بما يعني أنه 10 لمبات فقط ستستهلك 1000 وات. معانا واسطة اقتربنا من الشابَين وسألناهما عن مخاطر تعليق هذا العدد وعن حصولهما على ترخيص، فكان محمود شاب بالمرحلة الثانوية سريع الرد وأجابنا: "أصل عم هاني ضابط الشرطة عندنا في الحارة قل لنا علقوا اللمبات والزينة اللي إنتم عايزينها، ولو حد قال لكم حاجة تعالوا اشتكو لي وأنا أنهي لكم الموضوع". وأضاف محمود أنهم اعتادوا كل عام على تعليق الزينة، ولكن هذا العام كانوا يخشون أن تقع عليهم غرامات فتأخروا في تعليق الزينة والفوانيس. لم تختلف منطقة السيدة زينب عن سابقتها كثيرًا، ولكن أحمد حسن عامل بمحل لبيع الفوانيس بشارع خيرت أخبرنا بالفعل أنه خضع للقرار وقام بتسديد التراخيص لوزارة الكهرباء؛ حيث قام بدفع عشرة جنيهات للمتر الواحد الذي تُعلق فيه الزينة أمام المحل، وفي الواجهة التي تستهلك مزيدًا من الكهرباء. وكشفت جولتنا بمنطقة السلام أن المناطق العشوائية يبدو أن قرار الحكومة بمنع الزينة إلا بتراخيص كان غائبًا أو لم تفكر الحكومة فيهم أو تضعهم في حساباتها في ترشيد استهلاك الكهرباء؛ حيث وجدنا المحلات والمتاجر المختلفة محاطة بسلسلة من الأضواء والإنارات التي لا يمكن حصرها في شارع مثل شارع يسمى الإسكندرية، ويعتبر من أشهر المناطق التجارية هناك ويشهد حركة بيع وشراء كبيرة. فيقول أحمد سليمان (طالب بكلية حقوق القاهرة) إنه غير مقتنع بقرار منع زينة وفوانيس رمضان ليتم ترشيد استهلاك الكهرباء، موضحًا أنها- تعليق زينة رمضان- بمثابة الفرحة والسعادة الوحيدة لهم خلال هذا الشهر، وحرمان الشوارع منها بالطبع سيتسبب في حزن وكآبة للشارع بأكمله. ويضيف محمد سمير (طالب بأكاديمية الشروق) أنه اعتاد كل عام هو ومجموعة من أصدقائه بالحي أن يجمعوا من كل شقةٍ من الشقق السكنية مبلغ خمسة جنيهات؛ وذلك في يوم رؤية هلال شهر رمضان، حيث يقومون بعدها بشراء أسلاك ولمبات كهربائية لُيضاء بها الشارع طوال شهر رمضان. وحول رأيه في جدوى الحصول على ترخيصٍ لترشيد استهلاك الكهرباء يُبين محمد أنه لا يعلم أي شيءٍ عن هذا القرار، وأنه سيعلق لمبات الزينة كما يريد قائلاً: "هي جت على لمبات شارعنا". غير مقتنعين إيمان السيد (54 عامًا- ربة منزل) ترى أن هذا القرار فيه ظلم، مبينةً أنها تشعر بالاطمئنان والاستقرار في رمضان دون باقي الشهور، فزوجها توفي منذ أكثر من عشر سنوات، وإضاءة الشوارع خلال رمضان تجعلها تشعر بالأمان على أولادها، وكذلك تشعر بالبهجة والسعادة. وتذكر قائلةً: "هم مستكترين علينا الفرحة، ده هي ديه الحاجة الوحيدة اللي بتفرحنا، مش كفاية غلاء الأسعار، ده كيلو الياميش وصل لـ27 جنيه". أم جنا (35 سنة) تعجبت حينما أخبرناها أن الزينة هتكون بترخيص من وزارة الكهرباء وتساءلت: يعني هو النور لما بيقطع عندنا، بيقطع على الناس الكبار، والمسئولين؟! ولا هي على الغلبان بس؟!. وتستنكر أن تأتي فاتورة الكهرباء مرتفعة كل شهر في حين أنها لا تمتلك سوى مروحة واحدة، ولا تملك أية أجهزة تكييف، قائلةً :"طيب يقللوا شوية المكيفات في المكاتب بتاعت الناس المسئولين شوية وهي المشكلة تتحل". واختلف رأي عبد الله محمود (مهندس جودة) عمن سبقوه، فهو يبدي موافقته على القرار لأنه يرى أنه توجد بالفعل خطورة من زيادة معدلات استهلاك الكهرباء، وأنه يجب تخيفض معدلات الاستهلاك، مشيرًا إلى أن الشارع عنده توجد به أكثر من 100 لمبة، بما يعني أنه يزيد الاستهلاك عن 5 آلاف وات لشارعٍ واحد في منطقة محددة. توعية المواطنين على الصعيد الاقتصادي يرى الدكتور صلاح الدين فهمي أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر أنه يجب خفض معدلات استهلاك الكهرباء، خصوصًا في تلك الأيام وسط المعدلات المتزايدة من ارتفاع الطاقة؛ حيث سجلت هذا العام أعلى مستوى مقارنةً بتلك الفترة من العام المنصرم. ويضيف أن سعي الحكومة في تقليل نسبة استهلاك الكهرباء أمر ضروري في رمضان؛ حيث تتزايد معدلات الاستهلاك بجانب أن هناك مَن يقوم بالاستهلاك العشوائي عبر استخدام "الكفريه" العام؛ ما قد يزيد من معدلات الاستهلاك على الحي وينتج عنها مشاكل كبيرة بعد ذلك. ويحمل الحكومة المسئولية في عدم ضلوعها في القيام بمسئولية توعية المواطنين وتعريفهم بأنهم لا بد أن يساهموا في ترشيد استهلاك الكهرباء، مشيرًا إلى أن الإعلام لا يمارس دوره في زيادة وعي جميع المواطنين بخطورة الأزمة التي تتناثر حولها الأقاويل والتصريحات من وقتٍ لآخر، وجميعها تكون خطرةً ومقلقة. ليس عدلاً
وأشار إلى أن أمر التراخيص يُعد أمرًا حديثًا وجديدًا ولم يكن موجودًا من قبل، وأبدى عدم اعتراضه ما دام أنه يفيد الصالح العام لجموع المواطنين.
خلال جولتنا الميدانية، التقينا بالمواطنين لنستطلع آراءهم في هذا القرار ومدى معرفتهم به وتقديرهم لجدوى تنفيذه:
وعلى الجانب الشرعي يُبين الشيخ عبد الخالق الشريف (من علماء الأزهر) أن تعليق الزينة في رمضان من المباحات لجموع المسلمين، ففيه بهجة وفرحة، وأنه أمر جائز لمن أراد أن يفعله، فكان المسلمون يحتفلون بقدوم رمضان ما دام لا يتواجد في ذلك خطأ شرعي، وفي أمر تعليق الزينة فرحة وسرور.
ويقول إذا طُبقت عدالة التوزيع في الكهرباء وفي حساب الجميع فلا مانع من ذلك، أما أن يُمنع بعض المواطنين من تعليق زينة رمضان توفيرًا للكهرباء والطاقة، ويُترك البعض الآخر فهذا ليس فيه عدالة، متسائلاً: هل سيطبق هذا القرار على أصحاب الفنادق ودور السينما والملاهي والخيم التي يطلقون عليها "خيم رمضانية"؟!.
ويضيف أن قضية منع زينة رمضان تعد مبررًا واهيًا من الحكومة، وكان الأجدر بها أن تقلل من استهلاك الأنوار في المؤسسات الكبرى والمكيفات التي تعدُّ بالعشرات في المكاتب والوزارات.
ويدعو الحكومة لمساءلة المسئولين عن التليفزيون الذي يغزو المشاهدين بكمٍّ من المسلسلات قُدِّرت عدد ساعاتها بـ7 آلاف ساعة، بينما تُقدَّر ساعات رمضان بـ720 ساعة، والتي من شأنها أن تسبب استهلاكًا غير عادي للكهرباء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق